0.2 - تصدير عام لمحتويات الأجزاء الثلاثة
الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي من أعظم الشخصيات الصوفية المشهورة في القرون الوسطى، وهو واحد من أكثر المؤلفين تأثيرًا في التاريخ الإسلامي. كان لكتاباته تأثير عميق على العديد من المثقفين والصوفيين في الحضارة الإسلامية عبر القرون التي تلته، وقد جذبت مؤخرًا اهتمامًا واسعًا في العالم الغربي.
ولد الشيخ الأكبر في مرسية، شرقي الأندلس، سنة 560 للهجرة، 1165 للميلاد، لعائلة مرموقة ومقربة من الحكام والأمراء. وعندما كان في الثامنة من عمره، انتقلوا إلى إشبيلية، وذلك بعد وفاة ابن مردنيش، أمير مرسية، وسقوط دولته بيد الموحدين. وعندما بلغ حوالي 16 عامًا، دخل الطريق (الصوفية)، وسرعان ما اشتهر بين جميع العلماء البارزين بآرائه الفريدة والعميقة فيما يتعلق بالقضايا الدينية والنظريات الدينية الأساسية. سافر ابن العربي في جميع أنحاء الأندلس والمغرب وبينهما لأكثر من عقدين، قبل أن يأتيه الأمر الإلهي في الرؤيا للذهاب إلى المشرق.
كان هدفه الأساسي أداء فريضة الحج سنة 598 هـ، لكنه ما لبس أن استقرّ هناك في نهاية المطاف، ولم يعد بعدها إلى المغرب أبداً. وفي أثناء ترحاله، زار مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق والأناضول، قبل أن يستقر به الأمر أخيراً في دمشق سنة 620 هـ / 1224 م. جلبت له أعماله العديدة والمميزة شهرة وسمعة واسعة، حتى أصبح يُطلق عليه لقب محي الدين والشيخ الأكبر. وقد توفي في دمشق سنة 638 هـ / 1240 م، عن عمر ناهز 78 سنة.
يعد كتاب الفتوحات المكية من أكبر مؤلفاته وأعظمها تأثيراً، ويتضمن نقاشاً موسوعياً لجميع موضوعات العرفان والحكمة الإسلامية، تتوزع على 560 باب من الأبواب التي تتفاوت بطولها ما بين صفحة واحدة إلى عدة مئات من الصفحات. ويضاف إليه كذلك كتاب فصوص الحكم، وإن كان أصغر من الفتوحات بالحجم، إلا أنه لا ينقص عنه بقيمة المحتوى، حيث يضم سبعة وعشرين فصًّا، أو حكمة، سميت بأسماء بعض الأنبياء الذين يتميزون بمزايا روحانية محددة، ويحوي بين دفتيه معارف عميقة وحكماً لا يُدرك مداها.
إضافة إلى ذلك، فقد كتب الشيخ الأكبر عدة مئات من الأعمال الأخرى، وإن كان أكثرها أقل شهرة، وأغلبها متاح الآن في شكل مطبوع، في لا يزال بعضها مخطوطاً، وله أيضاً الكثير من العناوين التي لا تزال مفقودة. ومن ضمن كتبه المطبوعة نذكر: عنقاء مغرب، التجليات الإلهية، ترجمان الأشواق، مشاهد الأسرار القدسية، مواقع النجوم، عقلة المستوفز، إنشاء الدوائر، التدبيرات الإلهية، بالإضافة إلى 29 رسالة قصيرة تم نشرها في مجموعة حيدر آباد المعروفة باسم رسائل ابن عربي، وقم تم في العصر الحديث طباعة العديد من الكتب والرسائل القصيرة الأخرى.
في إحدى رسائله، وهي ما يعرف بفهرست المصنفات، ذكر الشيخ ما يزيد عن 250 عنوانًا مما استطاع أن يتذكره في ذلك الوقت، ويزيد هذا العدد إلى أكثر من 300 عندما نضيف له العناوين الأخرى التي أشار إليها في كتبه المختلفة المؤكدة، بما في ذلك الإجازة التي كتبها إلى أحد الملوك الأيوبيين. ومع ذلك، فقد نُسب إليه أكثر من 850 كتابًا، على الرغم من أن الكثير منها ملفق أو لا يمكن التحقق من نسبته إليه. وسوف نخصص المجلد الثالث من هذا الكتاب لسرد قوائم الكتب الصحيحة وذلك على أساس تحقيق رسالتي الفهرس والإجازة، وغيرها من المصادر المؤكدة.
قبل ذلك، في هذا المجلد الأول، سنقدم مناقشة مفصلة عن سيرته الذاتية، بدءًا من تاريخ ولادته وحياته المبكرة في الأندلس، والشيوخ الذين التقاهم هناك، وكيف تعلم منهم مبادئ التصوف الإسلامي، ومناقشاته المختلفة مع بعض الشخصيات الشهيرة في عصره، وسفراته المتكررة بين مدن الأندلس والمغرب، قبل أن ينتقل أخيرًا إلى مكة ويستقر في دمشق، والرحلات المختلفة التي قام بها في جميع هذه المناطق والبلاد الممتدة.
بعد ذلك، سنخصص المجلد الثاني لمناقشة انتشار المدرسة الأكبرية، بعد الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، ابتداءً من القرن السابع الهجري بعد وفاته وحتى القرن الخامس عشر الحالي، والموافق للقرن الثالث عشر الميلادي إلى القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه. ففي هذا المجلد الثاني، بالإضافة إلى الرد على بعض المفكرين والشيوخ الذين انتقدوه ونددوا بكتبه واعتبروه منحرفًا عن مذهبهم التقليدي، سنذكر العديد من كبار الشيوخ الذين أعجبوا به وتبنوا تعاليمه ونقلوها إلى طلابهم، مما أدى إلى انتشارها بسرعة كبيرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ابتداءً في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والأناضول، ثم إلى الشرق الأقصى، إلى بلاد فارس والهند وشمال ووسط آسيا، وكذلك إلى أقصى الغرب، في الأندلس وشمال أفريقيا، وكذلك مؤخراً إلى بعض أجزاء أوروبا وأمريكا. ومن خلال جميع هذه المناطق الجغرافية، وعلى مرّ القرون الثمانية السابقة، سنناقش تأثير كتبه وتعاليمه على الكثير من المثقفين المسلمين والمسيحيين في الشرق والغرب.
على الرغم من أنه لن تكون هناك أقسام مخصصة لمناقشة عقيدته الدينية المعقدة ووجهات نظره الفلسفية والوجودية، إلا أنه سيتم تفصيل ذلك بشكل كافٍ في جميع الفقرات المختلفة في ثنايا هذه المجلدات الثلاثة، حيث سنوضح محتويات الكتب المختلفة التي كتبها في العديد من المدن التي زارها أو أقام فيها لفترات متقطعة، إلى جانب النقاشات التي أجراها مع الشيوخ والطلاب الذين التقاهم هناك.
تجدر الإشارة إلى أن عنوان هذا الكتاب “شمس الغرب” ليس له علاقة مباشرة بكتاب ابن العربي المعروف باسم “عنقاء مُغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المَغرب”، على الرغم من أن الشيخ محي الدين نفسه هو خاتم الأولياء المحمديين، كما سنرى ذلك داخل الكتاب. ومع ذلك، فإن هذا العنوان مستمد من حقيقة أن دورة حياته مماثلة لرحلة الشمس اليومية، غير أن شمسه أشرقت من المغرب، ثم عادت إلى المشرق، حيث استقرّ في دمشق، ومنها أشرقت شمسه مرة أخرى وانتشرت علومه من خلال علومه وطلابه الذين سلكوا طريقه وساروا على نهجه.
ينطبق هذا التشابه الدقيق بين الشيخ الأكبر وحركة الشمس على العديد من التفاصيل المهمة في حياته، وسوف نرى ذلك مع كل فصل من الفصول الستة التي يضمها المجلد الأول، وبالتالي، سيتم تحديد أسمائها بحسب فترات اليوم المختلفة: الفجر، الصبح، الضحى، الظهر، العصر، والمغرب؛ فهذا هو النهار، أي فترة حياته، ثم يتكون المجلد الثاني أيضًا من جزأين سيطلق عليهما اسمي: الغسق والعشاء، وهو الليل، أي بعد وفاته. وسوف نكتشف أيضًا أن السرّ الذي يكمن وراء هذا التشابه الرمزي مرتبط بالحركة الدورية للزمن، وخاصة أيام الأسبوع السبعة، التي ترتبط أيضًا ارتباطًا عميقًا بالصفات الإلهية السبعة الأمهات: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، السمع، البصر والكلام، كما ناقشنا هذه المفاهيم وشرحنا أهميتها في نموذج الجوهر الفرد للكون ونظرية ازدواجية الزمن.