3.0 - ,الضُحَى: تنقله بين مدن المغرب والأندلس - 589/1192 - 597/1200
ابن العربي (الديوان: ص 110)، وانظر شرح هذه القصيدة في الفقرة 3.9 في آخر هذا الفصل.
بعد أن بدت الشمس في الأفق وبدأت تتسلق نحو صدر السماء، بدأ معها محمد يدرك جمال المشهد البديع، فبدأت أسرار الكون تدعوه تباعاً حتى يفكّ ألغازها ويحلّ رموزها، فلم تقرّ له عين ولم يهدأ له بال، وهو يسعى وراء الآيات والعِبَر، ويطلب رجالها حتى يستفيد منهم فيكون دائماً في مزيد علمٍ وتحقيق.
فمع أن الشيخ محي الدين قد حكى في كتبه عن مئات الرجال وذكر العديد من المنازل والأقوال، فهو ما يزال يؤكّد أنّه لم يعرف منزلاً ولا نحلة ولا ملّة إلا رأى قائلاً بها ومعتقداً لها ومتّصفاً بها باعترافه من نفسه، فما يحكي مذهباً ولا نِحلة إلا عن أهلها القائلين بها وإن كان قد علمها من الله بطريق خاص، ولكنه يقول إنّ الله لا بدّ أن يريه قائلاً بها فضلاً منه وعناية.[283]
فبعد أن جاب مُدنَ الأندلس وأنحاءها، وكان كلّما سمع عن شيخ في مدينة أو ناحية ذهب إليه وخالطه وسمع منه وناقشه وتعلّم منه وعلّمه، صار يتطلع إلى أفق أوسع؛ فذهب إلى بلدان المغرب العربي وإفريقية، حيث قضى سنوات عديدة فيها وانتقل مرّات عديدة بين ضفتي المضيق من الأندلس إلى مدن المغرب وتونس وبالعكس.
وأغلب الظن أنه قصد المغرب أول مرّة من أجل لقاء شيخه أبي مدين، مع أنه في الحقيقة لم يلقاه، ولكنّه تعرّف هناك على بعض الرجال الذين كانوا من التلاميذ المقرّبين عند أبي مدين الذين انتشروا في أنحاء المغرب العربي، قبل أن يصل ابن العربي إلى مقره في تلمسان.
فخلال السنوات الست التالية ما بين سنة 589 وحتى سنة 595 زار الشيخ محي الدين العديد من مدن المغرب وتونس عدة مرات ورجع إلى الأندلس حتى ختم رحلاته بمدينة مرسية (ثم المرية)، مسقط رأسه، التي زارها سنة 595 لينهي بعض أعماله هناك، ثم بعد ذلك اعتزل لأكثر من سنة حتى بداية سنة 597 حيث لا نعرف بالتحديد كيف قضى هذه الفترة قبل أن يترك الأندلس نهائيا ويرحل إلى المغرب ومنها إلى مكّة المكرّمة.