0.2.4.1 - بعض الكتب الرديئة عن الشيخ محي الدين
ومن جهة أخرى لا بد من الإشارة أيضاً إلى بعض الكتب الرديئة التي تعرّضت لحياة الشيخ محي الدين نذكر منها كتاب “هكذا تكلّم ابن عربي” للأستاذ نصر حامد أبو زيد (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002)؛ فرغم أن الأستاذ نصر مشهود له في هذا المجال إلا أنّ كتابه هذا جاء مليئا بالأخطاء التي لا يمكن أن تكون أخطاءً “مطبعية” فقط. فهو أحيانا يذكر تواريخ تأليف الشيخ محي الدين لبعض كتبه بشكل خاطئ تماما؛ مثل كتاب روح القدس الذي قال عنه، في الصفحة 130، إن الشيخ ألّفه سنة 590/1198 في تونس! فالتاريخ الميلادي هنا لا يوافق التاريخ الهجري وكلاهما خطأ، والمكان أيضاً خطأ!
فكل مهتم بتاريخ الشيخ محي الدين يعلم أن هذا الكتاب كتبه الشيخ رضي الله عنه من مكة المكرمة سنة 600/1203-1204 إلى صاحبه عبد العزيز المهدوي الذي كان عنده في تونس سنة 590 وسنة 598. ثم يعود الأستاذ نصر بعد ذلك بأربعة صفحات فيقول، في الصفحة 134، أن الشيخ محي الدين قد ألف هذا الكتاب من مكة سنة 599! وأحيانا يقول إن الشيخ زار تونس سنة 587/1193 لأول مرة، وفي فاس 589/1195 (صفحة 39)! ثم يقول في الفقرة التي تليه “في سنة 590/1175 نجد الشيخ في تونس”، فهذا كله خلط وكأنّ الأرقام لا تعني له شيئا، فضلا عن تفكك أكثر العبارات من الناحية اللغوية، وتكاد لا تخلو صفحة من خطأ تأريخي أو موضوعي. على كل حال ربما سنذكر بعضا من ذلك في مناسبته، ليس بهدف التجريح بالأستاذ نصر ولكن بهدف التوضيح للقرّاء الذين وثقوا بقلمه.
ومن الكتب الأخرى الرديئة التي نجدها حول موضوع حياة الشيخ محي الدين رضي الله عنه، كتاب “محي الدين ابن عربي، حياته-مذهبه-زهده”، تأليف الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي وكيل كليّة الآداب-جامعة المنصورة، [كما ورد على الغلاف]، طبع في سلسلة “الأعلام من الفلسفة” من قبل دار الكتب العلمية، بيروت، 1993. وهذا العنوان يذكّرنا بكتاب أسين بلاثيوس الذي ذكرناه أعلاه والذي ترجمه الدكتور عبد الرحمن بدوي من الإسبانية إلى اللغة العربية، ونشره في الكويت وبيروت سنة 1979، ولكن قام “الأستاذ الدكتور فاروق” بإضافة كلمة “زهده” إلى العنوان، وهي إضافة غير موفقة أبداً، فلم يكن الشيخ محي الدين رضي الله عنه زاهدا بمعنى ترك الدنيا ولبس الصوف والتقشّف إلى ما هنالك مما هو معروف عن عامة الزهّاد.
فعلى العكس من ذلك، كان الشيخ محي الدين يلبس أحسن الثياب [روح القدس: 72] ويأكل أطيب الطعام، ولكنه كان جواداً ولا يختزن شيئاً ويعطي ما يملك عن طيب نفس كما أعطى الدار التي أعطاه إياها ملك الروم لسائل سأله من فضل الله [نفح الطيب: ج2ص164]، وكانت الدار تساوي مائة ألف درهم.
فالزهد بالنسبة للشيخ الأكبر هو ترك حب الدنيا والزهد في كل ما سوى الله تعالى، وهو يقول: “فالزهد من القائل به جهل في عين الحقيقة” [الفتوحات المكية: ج2ص178]، ويقول أيضاً: “الزهد في الأشياء لا يقع إلا من الجهل القائم بهذا الزاهد” [الفتوحات المكية: ج3ص263]، و”ليس الزهد إلاّ في الفضول وأمّا ما تدعو الحاجة إليه فذلك المعوّل عليه لا يصح عنه تجريد” [الفتوحات المكية: ج4ص343].
وفيما عدا ذلك فإن كتاب فاروق عبد المعطي هو نسخة طبق الأصل من ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي حرفًا بحرف، قام فاروق عبد المعطي باستعارتها ونسبها إلى نفسه؛ حتى إنه حافظ “بأمانة بالغة” على ترتيب الفقرات وتشكيل الحروف والتعليقات، ولولا أن شكل الحرف مختلف لقلنا أنه نسخها بالتصوير الضوئي، ولكنه قام أيضاً بحذف مقدمة المؤلف الحقيقي ومقدمة المترجم ووضع بدلا عنها مقدمة جميلة من عنده، ربما استعارها من مكان آخر.