2.2.2 - الأمان والصدق (قصته مع حمر الوحش)
بعد انتقالهم إلى إشبيلية خرج محمد ذات يوم في رحلة صيد مع والده وغلمانه في منطقة بين قرمونة[75]وبلمة بالقرب من إشبيلية وإذا بقطيع من حمر الوحش ترعى، وكان مولعا بصيدها. كان يسير مع حصانه وحده بعيدا عن الغلمان؛ ففكر في نفسه وجعل في قلبه أنه لا يريد أن يؤذي واحدا منها بصيد. ولمّا رآها حصانه هشّ إليها ولكنه مسكه عنها وهو يحمل رمحه بيده. ثم وصل إلى القطيع ودخل بينهم وربما مرّ سنان الرمح بأسنمة بعضها وهي ترعى؛ فما رفعت رأسها ولا خافت منه أبداً حتى اجتازها! ثم لمّا أعقبه الغلمان فرّت الحمر أمامهم من الخوف.[76]
ولم يعلم محمد وقتها تفسير ما حدث من مثل هذا التصرف الغريب الغير مألوف من قِبل حمر الوحش هذه، غير أنه أدرك في وقت لاحق أن الأمان الذي كان في نفسه تِجاههم سرى في نفوسهم فما عادوا يخافون منه. فأدرك أنه من أراد أن لا يخاف من أحد فلا يُخف أحداً، وإذا أمِن منك كلُّ شيء تأمن أنت من كل شيء، وأدرك أهمية الصدق وأثره حتى على الحيوان. كما أنه سيدرك لاحقا أنه ليس الإنسان فقط هو الذي يتّصف بالعلم والمعرفة بل جميع الحيوانات وحتى الجماد؛ كيف لا وكل شيء يسبّح بحمد الله، ولا يسبّح إلا من هو عالم بمن يسبّح!