4.1.6 - صاحب الصدقات الشيخ أبو العباس السبتي(مراكش، 597/1200)
ففي بداية سنة 597/1200 وصل الشيخ الأكبر إلى مراكش حيث التقى هناك الشيخ الزاهد الشهير أبا العباس السبتي. والسبتي، كما يقول عنه الشيخ محي الدين، كان من الأولياء الذين قدّم الله لهم إجابة دعائهم في الدنيا بواسطة الصدقة، فكان يُمرض ويُشفي ويُحيي ويُميت ويُولّي ويَعزل ويفعل ما يريد بإذن الله، وكل ذلك بفضل الصدقة! ولذلك كان الشيخ محي الدين يسمّي السبتيَّ بصاحب الصدقة أو صاحب الصدقات، ولكنه ذكر للشيخ محي الدين أن الله سبحانه خبّأ له عنده ربع درهم للآخرة خاصة ولا يعرف ذلك منه إلا من ذاقه أو من سأله عن ذلك من الناس وأخبرهم عن نفسه. ولكن الشيخ محي الدين بيّن أن مثل هذه الحالة رغم علوّها فهي في الحقيقة نقص عن الكمال وهو أن يعطي الله من يشاء في الدنيا من غير طلب، فإن أهل الله لا يريدون في الدنيا شيئاً لأنفسهم أو بأنفسهم بل بالله تعالى. فيقول الشيخ الأكبر:
وقد يعطي الله ما أعطى السبتي المذكور لا من كونه أراد ذلك ولكن الله عجّل له ذلك زيادة على ما ادّخره له في الآخرة فإنه غير مريد تعجيل ذلك المدخر؛ كعمر الواعظ بالأندلس ومن رأينا من هذا الصنف، وعملت أنا عليه زماناً في بلدي في أول دخولي هذا الطريق ورأيت فيه عجائب؛ وكان هذا لهم من الله ولنا لا من إرادتهم ولا من إرادتنا. ولو عرف أبو العباس السبتي نفسه معرفتي بها منه ما استعجل ذلك فإنه كان على صورة لا يكون عنها إلا هذا، إلاّ أنه سأل ذلك من الله فأعطاه إيّاه عن سؤال منه ولو سكت لفاز بالأمرين في الدارين لكن جهله بنفسه وطبعها الذي طُبعت عليه صورتُه التي ركّبه الله عليها جَعَلَتْه يسأل فخسر حين ربح غيره والعمل واحد، ولهذا يفرح بالعمل لأنه أشرف صفة يتحلى بها العبد.[519]
وأبو العباس السبتي هذا هو غير أحمد بن هرون الرشيد الملقب بالسبتي أيضاً (ليس لكونه من مدينة سبتة ولكن لأنه كان يعمل يوم السبت فقط) والذي التقى به (روحيا) الشيخ محي الدين أثناء طوافه حول الكعبة كما سنذكر ذلك لاحقا.