شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.2.20.2 - الفعل بالهمّة

وكان محمد الخياط ذا همة عالية يستطيع أن يحقق بها ما يريد، وهو ما يسمّيه الصوفية: "الفعل بالهمّة"، وهو أمرٌ عامٌّ في الآخرة ولكنه نادرٌ جدّاً في الدنيا وقد يكون للأولياء ولغير الأولياء. فإن أهل الجنة يقولون للشيء الذي يريدونه كن فيكون؛[104]فلا يتوهّمون أمراً ما ولا يخطر لهم خاطرٌ في تكوينِ أمرٍ ما إلا ويتكوّن بين أيديهم. وكذلك أهل النار لا يخطر لهم خاطرُ خوفٍ من عذاب أكبر مما هم فيه إلا تكوّن فيهم أو لهم ذلك العذاب وهو عين حصول الخاطر، فإن الدار الآخرة تقتضي تكوين العالم عن العالم لكن حساً وبمجرد حصول الخاطر والهمّ والإرادة والتمنّي والشهوة، كل ذلك محسوسا. وليس ذلك في الدنيا لكل أحد وقد يكون في الدنيا لغير الولي، كصاحب العين، ولكن ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمّة في الدار الآخرة وهذا في الدار الدنيا نادر شاذّ كقضيب البان وغيره، وهو في الدار الآخرة للجميع.[105]

فيذكر الشيخ محي الدين عن صاحبه محمد الخيّاط أنه كان بين منزله ومنزلهم بعدٌ كثيرٌ فمرة بَعد أذان العشاء وجد الشيخ محي الدين في خاطره أمرين متناقضين الأول الانزعاج إلى الوصول إلى صاحبه محمد الخيّاط والثاني الرجوع إلى منزله، فحار كيف يجمع بين الخاطرين وكان يعمل على أوّل الخاطر،[106]فذهب إليه مسرعا ودخل عليه فوجده واقفا في وسط الدار وهو مستقبلٌ القبلة وأخوه أحمد يتنفّل فسلّم عليه، فتبسّم وقال له: "ما الذي أبطأ بك؟ قلبي متعلق بك. هل عندك شيء؟ جاءنا فقيرٌ يُقال له عليٌّ السلاوي وما عندنا شيء." وكان ذلك سبب تعلّق قلبه به لأنه يعلم أنه يملك المال وهو ينفق على الفقراء. فأخرج محي الدين من جيبه خمسة دراهم ودفعها له، ثم رجع إلى بيته مسرعا.

وهكذا أيضاً كان محمد الخياط يخدم الفقراء بنفسه ويؤثرهم بالطعام واللباس وكان رحيما عطوفا رؤوفا شفيقا يرحم الصغير ويعرف شرف الكبير، يعطي كل أحد حقه، له الحق على الناس وليس لأحد عليه حق إلا الله.[107]