شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.3.4 - إقامته في مصر (القاهرة، شهر رمضان 598/1202)

ولذلك ربما لم تكن إقامة ابن العربي في مصر سعيدة خاصة وأنّه خسر رفيقه محمد الحصار، وكذلك فإن صديق طفولته الشيخ محمد الخياط الذي قدم إلى مصر قبله والتقى به فيها قد مرض مرضاً شديداً أقعده هو وأخوه محمد الذي بقي معه لرعايته ولم يستطيعا الذهاب مع ابن العربي إلى مكة.

ويصف الشيخ الأكبر هذا الوضع لصاحبه عبد العزيز المهدوي في "روح القدس" فيقول أثناء حديثه عن صاحبيه محمد الخياط وأخيه أحمد:

ومنهم رضي الله عنهم الأخوان الشقيقان أبو عبد الله الخياط وأبو العباس أحمد الإشبيلي رضي الله عنهما صاحبتهما زماناً بإشبيلية إلى عام تسعين وخمسمائة خرجا يريدان الحج وهو العام الذي رحلت فيه إليك ووصلا مكة، فأما أحمد فجاور بها سنة وخرج إلى مصر ودخل طريق الملامتية. وأما محمد فجاور بها خمسة أعوام ولحق بأخيه بمصر فأقمت معهما وتأبى عبد الله زمانة فصمت معهما رمضان وخرجت إلى القدس الشريف ومشيت إلى مكة شرّفها الله تعالى وأقمت بها إلى الآن وفي قلبي من فراقهما لهيب.[550]

ولكن الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذكر عن هذه المجاعة الرهيبة ما يوحي أنها كانت انتقاماً من الله تعالى بأهل مصر الذي طغوا وأفسدوا كثيراً في ذلك الوقت ولم يقيموا حدود الله تعالى، فهو يروي عن صاحبه أحمد أبي العباس أخي محمد الخياط الذي كان من أهل الله ومن كراماته أنه كان الله تعالى يخاطبه كثيرا في سرّه كما رأينا في الفصل الثاني، فيقول ابن العربي أنه لما حلّت بمصر المسغبة والوباء الذي هلك فيه أهلها فمشى أحمد أبو العباس يوماً فرأى الأطفال الصغار الرضّع يموتون جوعاً، فقال يا ربّ ما هذا! فنودي: يا عبدي هل ضيّعتك قط؟ قال لا. قال فلا تعترض؛ هؤلاء الأطفال الذين رأيتهم أولاد الزنا، وهؤلاء هم قوم عطّلوا حدودي فأقمت عليهم حدودي فلا يكن في نفسك من ذلك، ثم سرّي عنه فبقي راضياً بتلك الحالة للخلق. وعنده من هذه المخاطبات كثير.[551]

وذكر ابن العربي كذلك أنه في وقت هذه المجاعة صار الناس يباعون عبيداً فذكر عن رجل التقاه في مكة سنة 599/1202، وهو من أهل تونس يقال له عبد السلام بن السعرية، أنه كانت عنده جارية اشتراها بمصر في الشدة التي وقعت سنة 597/1200، فقال لها يا جارية أوصيك بأمرين: حفظ السرّ والأمانة، فقالت له الجارية: ما تحتاج فإني أعلم أن الشخص إذا كان أميناً شارك الناس في أموالهم وإذا كان حافظاً للسرّ شاركهم في عقولهم. فاستحسن صاحبها هذا الجواب منها فسأل عنها فوجدها حرّة قد بيعت في غلاء مصر، فأعتقها وسرّحها فرجعت إلى أمّها وإخوتها.[552]

ولكن الشيخ محي الدين سيعود مرة أخرى إلى القاهرة بعد خمسة سنوات حيث سيلتقي ببعض أصحابه الأندلسيين أيضاً، إلا أن هذه الزيارة الثانية أيضاً لن تكون هانئة كما سنذكر في الفصل الخامس.