شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.3.3 - انحسار النيل وحدوث المجاعة في مصر (597/1200)

مع بداية سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر في سنة 597/1200 قبل شهور من قدوم الشيخ محي الدين إليها، حدث انحسار كبير لمياه النيل، ولم يُعهد ذلك في الإسلام إلا مرّة واحدة في دولة الفاطميين، ولم يبق منه إلا شيء يسير؛ واشتد الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام وتفرقوا وتمزقوا كل ممزّق، وتعرّض الذين بقوا في مصر إلى مجاعة كبيرة لم تشهد البلاد مثلها من قبل زاد من وطأتها الزلزال الذي حدث في ذلك العام ودمّر الكثير من البيوت على رؤوس أصحابها في مصر وبلاد الشام.

وقد نقل بعض المؤرخين العجائب عن تلك المجاعة لا ندري إن كان فيها بعض المبالغة أم لا. قال أبو المظفر: كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمه على طبخه وشيّه؛ وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا. وكان الرجل يدعو صديقه وأحب الناس إليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطباء كذلك، فكانوا يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم، وفقدت الميتات والجيف من كثرة ما أكلوها، وكانوا يختطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم. وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفاً؛ وامتلأت طرقات المغرب والمشرق والحجاز والشام برمم الناس، وصلى إمام جامع الإسكندرية في يوم على سبعمائة جنازة.[548]

وقال العماد الكاتب الأصبهاني: في سنة سبع وتسعين وخمسمائة: اشتد الغلاء، وامتد البلاء؛ وتحققت المجاعة، وتفرقت الجماعة؛ وهلك القوي فكيف الضعيف! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج الناس حذر الموت من الديار، وتفرق فريق مصر في الأمصار؛ ولقد رأيت الأرامل على الرمال، والجِمال باركة تحت الأحمال، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم، تسترق الجياع باللقم. وجاءت في شعبان، زلزلة هائلة من الصعيد هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدم خلق كثير، ثم امتدت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس، فلم تبق فيها جداراً قائماً إلا حارة السمرة؛ ومات تحت الهدم ثلاثون ألفاً، وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل؛ وامتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق، وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري، وعامة دور دمشق إلا القليل؛ فهرب الناس إلى الميادين، وسقط من الجامع ست عشرة شرفة، وتشققت قبة النسر.[549]