شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.3.2 - الدولة الأيوبية في مصر (567/1171-648/1250)

وُلد صلاح الدين، الذي يعود له الفضل بتوحيد مصر والشام وتحرير القدس، بمدينة تكريت سنة 532/1137 على نهر دجلة شمالي سامراء بالعراق ثم نشأ في ظل البيت الزنكي وتعلم علوم أولاد الأمراء من حفظ القرآن وتعلم الأدب ودراسة الفقه وفنون القتال والفروسية.

وصلاح الدين هو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالناصر صلاح الدين الأيوبي كان أبوه وأهله من قرية دوين في شمال أذربيجان وهم بطن من قبيلة الروادية الكردية، ولكنهم سكنوا في تكريت. ترعرع صلاح الدين في كنف أبيه نجم الدين الذي لزم خدمة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي في دمشق، فأحبه نور الدين (الذي كان صوفيّاً زاهداً بقدر ما كان قائدا مجاهداً وشجاعاً) وأولاه رعاية كبيرة في التربية والتعليم والتدريب على فنون القتال. ولكن صلاح الدين لم يكن له ميولا إلى الحرب بل كان يميل إلى دراسة الطب والدين وكان يحبّ حلقات الصوفية ويلتزم معهم، ولكن عندما وجّه نور الدين زنكي حملةً إلى مصر بقيادة أسد الدين شيركوه لنجدة شاور بن مجير السعدي وزير العاضد الفاطمي ضد خصمه ضرغام بن عامر اللخمي، أصرّ أسد الدين على اصطحاب ابن أخيه صلاح الدين معه إلى مصر. وبعد انتهاء هذه الحملة وقتل ضرغام وإعادة شاور إلى الوزارة، عاد أسد الدين وصلاح الدين إلى دمشق بعد تدخّل الفرنجة. ولكن لم يلبث أن استنجد العاضد الفاطمي بنور الدين محمود زنكي من جديد لينقذه من شاور الذي استبدّ بالسلطة، فذهب أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين إلى مصر مرة ثانية فهرب شاور ثم قبضوا عليه وقتلوه وقلّد العاضد الوزارة لأسد الدين شيركوه فتولاها ولكنه توفي بعد بضعة أشهر فقام العاضد بتقليد الوزارة لابن أخيه صلاح الدين ولقبه بالملك المظفّر صلاح الدين. فتولى صلاح الدين السلطة وباشرها بحزم وقوة وعدل. ولما مرض العاضد مرض موته قطع صلاح الدين الخطبة عن العاضد وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله فأنهى بذلك حكم الدولة الفاطمية وأصبح صلاح الدين هو صاحب السلطة في مصر ابتداءً من سنة 570/1174.

ولمّا توفي نور الدين زنكي سنة 569/1173 فخلَفه ابنه الصالح إسماعيل، وكان لا يزال صغيرا، فاضطربت الأمور ودُعي صلاح الدين لضبطها. فلما أقبل سنة 570/1174 إلى دمشق استقبله أهلها بحفاوة كبيرة واستولى بعد ذلك على بعلبك وحمص وحماة وحلب، ثم تخلى عن حلب للملك الصالح إسماعيل.

قام صلاح الدين بالإصلاح الداخلي في مصر والشام وبنى القلاع والمدارس، وصدّ غارات الصليبيين وهاجم حصونهم وقلاعهم في بلاد الشام حتى توسعت دولته وتوالت انتصاراته على الصليبيين في فلسطين والساحل الشامي حتى موقعة حطين الكبرى في يوم السبت الرابع عشر من ربيع الآخر سنة 583/1187 التي هزم فيها الصليبيين هزيمة مريعة تلاها استرداد طبرية وعكا ويافا وبيروت ثم توّج كل ذلك بتحرير القدس سنة 583/1187 التي استولى عليها الفرنجة سنة 492/1099.

وكان وقع الهزيمة على ملوك أوروبا كبيرا فجمعوا حملة كبيرة بقيادة ملك الإنكليز ريتشارد قلب الأسد الذي استطاع أن يدخل عكا سنة 585/1189 وقامت بينه وبين صلاح الدين عدة معارك ومناوشات انتهت بعقد اتفاق للصلح سنة 588/1192، وتوفي صلاح الدين بعدها بقليل عام 589/1193 بقلعة دمشق عن عمر يناهز السبعة وخمسين عاما، ثم بويع لولده الأفضل نور الدين علي من بعده وكان نائبه على دمشق.

كان صلاح الدين إلى جانب هيبته وشدته رقيق النفس والقلب وكان رجل سياسة وحرب، بعيد النظر، متواضعا مع جنده وأمراء جنده. له اطلاع حسن على جانب من الحديث والفقه والأدب ولا سيما أنساب العرب ووقائعهم. لم يدخر لنفسه مالاً ولا عقاراً وكانت مدة حكمه بمصر 24 سنة وبسورية 19 سنة، وخلّف من الأولاد 17 ولدا ذكراً وأنثى واحدة.

ويذكر الشيخ محي الدين بعضاً من مناقب السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب فيقول إنه قيل له سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لما ذكر أبو القمح المنجّم أن ريحاً عظيمة في هذه السنة تكون فلا تمرّ على شيء إلا جعلته كالرميم، فأشار عليه بعض جلسائه أن يتّخذ في الأرض سرداباً يكون فيه ليلة هبوب تلك الريح فقال صلاح الدين: ويهلك الناس! قيل له نعم، فقال: إذا هلك الناس فعلى من أكون ملكاً أو سلطاناً؟ لا خير في الحياة بعد ذهاب الملك، دعني أموت ملكاً، والله لا فعلت. فيقول ابن العربي: فانظر ما أحسن هذا.[547]

بعد وفاة الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي خلفه على مصر اثنان من أبنائه هما العزيز بن صلاح الدين الذي تولي الحكم من سنة 589 إلى سنة 595 ثم ابنه المنصور بن العزيز لسنة واحدة ليتولّى الحكم بعده السلطان العادل أخو صلاح الدين الأيوبي من سنة 596 إلى سنة 615، وهكذا انتقل الحكم من أبناء صلاح الدين إلى أخيه العادل وأبنائه، وحدث بعدها اختلاف كبيرٌ بين أبناء البيت الأيّوبي في مصر والشام وتحاربوا فيما بينهم فاستعانوا بالمماليك الذين قدموا من مختلف البلاد المجاورة وازداد نفوذ هؤلاء المماليك في عصر السلطان الصالح بن الكامل نجم الدين أيوب، إلا أن السلطان نجم الدين الأيوبي توفي سنة 647 وهو يحارب الصليبيين فاضطرت زوجته شجرة الدرّ لإخفاء موته حتى انتصر المسلمون على الصليبيين في موقعة المنصورة ثم فارسكور سنة 647 ثم تقلدت شجرة الدرّ الحكم بعد أن تخلصت من توران شاه ابن الصالح نجم الدين الأيوبي سنة 648، وهكذا انتهى حكم الدولة الأيوبية في مصر بعد أن حكموها إحدى وثمانين سنة ليبدأ بعد ذلك عصر المماليك.