شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.7.14 - الشيخ أبو يحيي بن أبي بكر الصنهاجي

ويقول عنه الشيخ محي الدين في روح القدس أنه كان شيخا عارفا سائحا متجودا منقطعا صادقا صالحا مسنا وهو من أهل المعارف والإشارات والتمكين قلّ أن تلقى مثله. كانت بينه وبين ابن العربي مسائل كثيرة عن الحقائق يضيق الوقت عن ذكرها وقد ألّف ابن العربي من أجله كتاب "عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب".[473]

3.7.14 - كتاب عنقاء مغرب

ويعدّ هذا الكتاب من الكتب الغامضة للشيخ محي الدين ابن العربي، وهو يشبه إلى حدّ كبير في بنيته وهدفه كتاب مواقع النجوم الذي سنتكلم عنه بعد قليل وكتاب التدبيرات الإلهية الذي تحدثنا عنه في الفصل الثاني، حيث يعتمد على موضوع المضاهاة بين الإنسان والعالم من جهة وبين الإنسان والأسماء الإلهية من جهة أخرى. فيقول الشيخ محي الدين في بداية هذا الكتاب في تبيين الغرض منه أنه كان قد ألّف كتابا روحانياً وإنشاءً ربّانيّاً سمّاه التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية وتكلّم فيه على أن الإنسان عالم صغير مسلوخ من العالم الكبير؛ فكلّ ما ظهر في الكون الأكبر فهو في هذا العين الأصغر. ثم يقول ابن العربي أنه لم يتكلّم في ذلك الكتاب على مضاهاة الإنسان بالعالم على الإطلاق ولكن على ما يقابله من جهة الخلائق والتدبير، فبيّن فيه ما هو الكاتب والوزير والقاضي العادل والأمناء ...الخ (كما ذكرناه من قبل في الفصل الثاني). فيقول إنه كان ينوي أن يجعل فيه ما يوضحه تارة ويخفيه أين يكون من هذه النشأة مقام الإمام المهدي وأين يكون مقام ختم الأولياء وطابع الأصفياء، ولكنه خاف من نزعة العدوّ الشيطان أن يحمله على التصريح فيقول عليه ما لا ينويه، فلم يقدم على ذلك. ثم بعد ذلك رأى أن يتوكّل على الله ويودع هذه الأسرار في هذا الكتاب الجليل الذي سمّاه عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب.[474]

ويقول الشيخ محي الدين أن معرفة هذه المضاهاة أمر لا بدّ منه من أجل النجاة في طريق الله تعالى، وليس الهدف من ذكره ذلك معرفة العالَم بل معرفة الإنسان نفسه وكيفية تطبيق ذلك على نفسه: "هل ينفعني في الآخرة كون السلطان عادلا أو جائرا، أو عالما أو حائرا؟" فالإمام الحقيقي هو العقل فيحب على الإنسان إتباعه ومبايعته على الإصلاح، وهكذا يجب على الإنسان النظر إلى أعضائه وآلاته ويعاملها بما يناسب كل عضو منها وهي وإن خفيت عليه فقد جعل الله العالَم كله مثالا له لما في نفسه فلينظر في العالم ويعتبر.

هذا هو الهدف الرئيسي من هذه الكتب الثلاثة التي كتبها الشيخ محي الدين في المغرب وهي كتاب التدبيرات الإلهية وكتاب عنقاء مغرب وكتاب مواقع النجوم. ولقد ذكرنا بعض تفاصيل المملكة الإنسانية ومقارنتها مع العالَم في فصل خاص في كتاب سلوك القلب اعتمادا على ما ورد في هذه الكتب بالإضافة إلى كتابه الرئيسي الفتوحات المكية. فكل شيء في الإنسان يقابله شيء من العالم الخارجي من الكواكب والنجوم وحتى من الناس والشجر والحجر والنبات والجن والملائكة. فكما قال الإمام عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه:

دواؤك فيك وما تشـعـرُ
وتحسب أنّك جُرم صغـيرٌ
وأنت الكتاب المبين الـذي

وداؤك منك وتستنـكـرُ
وفيك انطوى العالم الأكبرُ
بأحرفه يظهر المُضمـرُ

أما من حيث العالم المشهود فإن شمس المغرب هو في الحقيقة المهدي عليه السلام وهو الذي سيظهر قبل قيام الساعة والذي سيملأ الأرض عدلا كما مُلئت ظلما وجورا كما هو معروف في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة. وأما ختم الأولياء فهو على الحقيقة الشيخ محي الدين ابن عربي نفسه كما ذكرنا أكثر من مرّة وكما سنرى في الفصل الرابع بمزيد من التفصيل.