شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.7.13 - صاحبه عبد الله بدر الحبشي

أثناء هذه الرحلة الثانية عاد الشيخ محي الدين إلى الأندلس ومعه رفيق جديد اسمه بدر الحبشي وهو الذي سوف يصحبه في جميع أسفاره إلى المشرق ولن يفارقه حتى آخر يوم من عمره. ويقول الشيخ محي الدين في "الدرة الفاخرة" أن بدراً الحبشي كان مجاوراً في مكة المكرمة، فرأى في واقعته أن يصاحب ابن العربي فرحل إليه وقابله في فاس،[463]وصحبه ثلاثاً وعشرين سنة حتى توفي في بيته في ملطية.

وكان الشيخ محي الدين يبدي تجاه صاحبه الجديد بدر الحبشي حبّاً شديداً وعطفاً لا مثيل له، حتى إنه لن يفوّت فرصة في السنوات القليلة التالية التي سيقضيها الشيخ في الأندلس من غير أن يعرّف صاحبه بدراً على جميع شيوخه فيها، ثم سوف يرافقه إلى المشرق وسوف يستمرّ الودّ بينهما حتى إنه سوف يهديه العديد من كتبه، وأهمها الفتوحات المكية، إلى أن يموت بدرٌ بين يدي صاحبه وشيخه محي الدين في ملطية سنة 618/1221.

وبدر الحبشي هو المسعود أبو محمد عبد الله بدر بن عبد الله الحبشي اليماني وكان عبدا عند أبي الغنائم بن أبي الفتوح الحرّاني فحرّره وأطلقه فصحب الشيخ محي الدين، ولا يُعرف له من المؤلفات سوى كتاب واحد بعنوان "الإنباه" جمع فيه بعض الحكم والوصايا من الشيخ محي الدين، وقد قام بترجمته مؤخرا الأستاذ دينيس غريل.[464]

على الرغم من أنه لم يذكر سيرته ولا تكلم عن تفاصيل علاقته به، إلا أنه من الواضح أن بدرا الحبشي كان صاحب ابن العربي المقرب منه على الرغم مما يبدو من الفوارق الطبقية بينهما والتي لا شك أن الشيخ محي الدين لم يكن يعيرها أي اهتمام ولا يفكّر بها مطلقا. فكان الشيخ محي الدين كلما تعرّف على شيخ من أهل الله يحب دائما أن يعرّف صاحبه بدرا عليه وقد ذكر ذلك كثيرا في "روح القدس" عندما تكلم عن الشيوخ الذين انتفع بهم في طريق الله أمثال الشيخ أبي عبد الله محمد بن قسوم والشيخ أبي عبد الله محمد الباغي الشكاز والشيخ أبي محمد عبد الله القطان وغيرهم. فهو يقول مثلا في أثناء حديثه عن أبي اسحق إبراهيم بن طريف العبسي: "قصدته في بلده مرتين وكان يحبني واجتمعت به مع صاحبي عبد الله الحبشي في سبتة وفي بلده رضي الله عنه ونفعه."[465]وفي حديثه عن أبو عبد الله محمد بن قسوم يقول: "جمعت بينه وبين صاحبي عبد الله بدر الحبشي وصلى خلفه."[466]وعندما ذهب إلى غرناطة لزيارة الشيخ أبي عبد الله محمد الباغي الشكاز، يقول: "اجتمعت به في منزله مع صاحبي عبد الله بدر الحبشي."[467]وعن الشيخ أبي محمد عبد الله القطان في قرطبة: "جمعت بينه وبين صاحبي عبد الله بدر الحبشي بقرطبة ومشينا معه إلى منزله رضي الله عنه."[468]

ومن شدّة حبّه لصاحبه بدر كان الشيخ محي الدين يدعو الله أن يهبه المقامات والكرامات التي وهبها له، فقال في الديوان الكبير:

اختلسنا من كرا
ورجعنا بمقا
ورفعنا عن تكا
لمضاهاة استواءٍ
فرأينا مَن تعالى
في لطيف ملكيّ
وسألناه بأسرا
نيل ما قد نحن نلن

مات الكيان الأبدي
مات العيان الأزلي
ليف الوجود العملي
فوق عرشٍ فلكيّ
بالوجود الخلقيّ
وكثيفٍ بشريّ
رِ المقام القدسيّ
هُ لبدر الحبشـيّ[469]

وبذلك يتضح أن بدرا الحبشي كان أقرب صديق لابن العربي وكان أيضاً خزينة أسراره التي تسمع ولا تتكلم، فكان يطلعه على أسرار كشوفه حتى تلك التي لا يمكن كشفها لأحد، فيقول مثلا:

ولقد منحني الله سراً من أسراره بمدينة فاس سنة أربع وتسعين وخمسمائة فأذعته فإني ما علمت أنه من الأسرار التي لا تذاع، فعوتبت فيه من المحبوب، فلم يكن لي جواب إلا السكوت، إلا أني قلت له: "تولّ أنت أمر ذلك فيمن أودعته إياه إن كانت لك غيرة عليه فإنك تقدر ولا أقدر"، وكنتُ قد أودعته نحوا من ثمانية عشر رجلاً. فقال لي: "أنا أتولى ذلك"، ثم أخبرني أنه سلّه من صدورهم وسلبهم إياه، وأنا بسبتة، فقلت لصاحبي عبد الله الخادم إن الله أخبرني أنه فعل كذا وكذا فقم بنا نسافر إلى مدينة فاس حتى نرى ما ذكر لي في ذلك. فسافرت فلما جاءتني تلك الجماعة وجدت الله قد سلبهم ذلك وانتزعه من صدورهم فسألوني عنه فسكت عنهم، وهذا من أعجب ما جرى لي في هذا الباب فللّه الحمد.[470]

وكذلك لقد روى أيضاً الشيخ محي الدين عن صاحبه بدر الحبشي:

وإذا كنت في سفر وأردت التعريس بالليل فاجتنب الطريق فإن الهوام بالليل تقصد الطريق فربما يؤذيك شيء منها وقل إذا نزلت منزلاً "أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق" فإنه لن يضرّك شيء ما دمت في ذلك المنزل. أخبرني صاحبي عبد الله بدر الحبشي الخادم عن الشيخ ربيع بن محمود الحطاب المارديني قال بتنا ليلة برأس العين في مسجد وبرأس العين عقارب تسمى الجرارات لا ترفع أذنابها إلا عند الضرب وهي قتالة ما ضربت أحداً فعاش فجاء شخص فبات في المسجد وذكر هذه الاستعاذة فضربته العقرب في تلك الليلة فقال للشيخ ربيع حديثه فقال له صح الحديث فإن الله قد رفع عنك الموت فإنها ما ضربت أحداً إلا مات وقد رأيت أنا مثل هذا من نفسي لدعتني العقرب مرّة بعد مرّة في وقت واحد فما وجدت لها ألماً وكنت قد ذكرت هذه الاستعاذة إلا أنه كان في حرامي بندقتان وكنت قد سمعت أن البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان ذلك للبندق أو للدعاء أو لهما معاً إلا أنه تورم رجلي وحصل فيه خدر وبقي الورم ثلاثة أيام ولا أجد ألماً ألبتة.[471]

وقال أيضاً في أثناء حديثه عن مقام الاقتداء التام برسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم:

وما رأينا أحداً ممن رأيناه أو سمعنا عنه عمل على هذا القدم إلا رجلا كبيرا باليمن يقال له الحداد رآه الشيخ ربيع بن محمود المارديني الحطاب وأخبر أنه كان على هذا الحال من الإقتداء؛ أخبرني بذلك صاحبي الخادم عبد اللّه بدر الحبشي عن الشيخ ربيع.[472]