شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.7.12 - الخواطر والتوفيق

تكلمنا أيضاً في كتاب سلوك القلب عن موضوع التوفيق ومراقبة الخواطر التي تكون إما خواطر شيطانية أو خواطر نفسية أو خواطر ملكية أو خواطر ربانية، وهي تأمر إما في واجب أو مندوب أو مباح أو مكروه أو محرم؛ فمن راقب خواطره من طريقها فقد أفلح فإنه يعلم من يأخذها ومن يتعرض إليها من القاعدين لها كل مرصد ومن غفل عن طريقها وما شعر بها حتى وجدها في المحل كما تجدها العامة عمل بمقتضاها عمل الجاهل بالشيء فإن كان خيرا فبحكم المصادفة وإن كان شراً فكذلك، لأن الخاطر الأول الذي أتاه بالعلم بمن يأتي بعده من الخواطر وعلى يد من يأتيه لم يشعر به ولا علمه ولا شاهده ففاته حكمه فلما فاجأته هذه الخواطر العملية على حين غفلة وعدم تيقظ ومراقبة لطرقها عمل بمقتضاها فكان خيره وشره مصادفة.

ورغم ذلك فبعض الناس قد وفقهم الله لعمل الخير من غير علم منهم ولا احتساب، ويروي الشيخ محي الدين مثالا عن ذلك شخص رآه في مدينة فاس لم يكن صاحب علم بالشريعة ولكنه لم يكن يخطئ أبدا فيها:

ورأيت ابن الحجازي المحتسب بمدينة فاس، ولم يكن صاحب علم بالشريعة، يوفقه الله لإصابة الحكم؛ وأعرف من صلاحه أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام خلف الإمام في الصلوات كلِّها بجامع القرويين إلى أن مات، فكانت أحكامه في حسبته تجري على السداد إلهاماً من الله، فكان يقول إني لأعجب من أمري ما اشتغلت بعلم أحكام الشريعة وأوفَّق لحكم الشرع في جميع أحكامي. ولم يقدر أحد من علماء الشريعة يأخذ عليه في حكم لم يقل به مجتهد, هذا وحده رأيته من عامة الناس معتنى به ولم يكن من أهل الطريق بل كان حريصاً على الدنيا مكبّاً عليها كسائر عامة الناس لكن كان منوّر الباطن ولا يشعر بذلك.[462]