شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.6.3 - لبس الخرقة لأول مرة (إشبيلية 592/1196)

من المعروف أن الصوفية قد درجوا على عادة تلقي الخرقة من الشيوخ المكملين بهدف تلقي بركاتهم واتّباع منهاجهم. وقد تكلم الصوفية كثيراً في الخرقة وألفوا حولها الكتب العديدة وحاولوا إيجاد أصل شرعي لها. والخرقة عند الصوفية ترمز إلى الصحبة والمبايعة وارتباط المريد بالشيخ. وتعتبر الخرقة رمزا لاتصال المريد بسلسلة الرجال الذين تلقى منهم الشيخ الخرقة من قبل، ولذلك فهناك سلاسل كثيرة للبس الخرقة تعود كلها في النهاية إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم إلى الله تعالى الذي قال في سورة الأعراف:[b]((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ... [26]))[/b]، وهي الآية التي يُرجِع إليها الشيخ الأكبر أصل رمزية لبس الخرقة مع أنه يقول إنه لا يوجد سند متصل بذلك. وكان الشيخ محي الدين رضي الله عنه لا يقول بلبس الخرقة إلى أن وجد أن الخضر عليه السلام قد أقرّها حين تلقّاها الشيخ محي الدين في إشبيلية سنة 592 من الشيخ تقيّ الدين عبد الرحمن بن علي بن ميمون بن أبي الوزري الذي لبسها من يد صدر الدين شيخ الشيوخ بالديار المصرية وهو ابن حمويه وكان جده قد لبسها من يد الخضر. فيقول الشيخ الأكبر أنه منذ ذلك الوقت أصبح يقول بلباس الخرقة وألبسها الناس لمّا رأى الخضر قد اعتبرها وكان قبل ذلك لا يقول بالخرقة المعروفة، لأن الخرقة عنده إنما هي عبارة عن الصحبة والأدب والتخلّق ولهذا لا يوجد لباسها متصلاً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن توجد صحبة وأدباً وهو المعبّر عنه بلباس التقوى. ثم يضيف الشيخ رضي الله عنه موضحا المعنى الحقيقي لعادة لباس الخرقة أنه جرت عادة أصحاب الأحوال إذا رأوا أحداً من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا أن يكمّلوا له حاله يتحد به هذا الشيخ فإذا اتحد به أخذ ذلك الثوب الذي عليه في حال ذلك الحال ونزعه وأفرغه على الرجل الذي يريد تكملة حاله فيسري فيه ذلك الحال فيكمُل له ذلك. ويضيف أنه هذا هو اللباس المعروف عنده والمنقول عن المحققين من شيوخه.[440]

ثم بعد ذلك تلقى الشيخ محي الدين الخرقة بطرق مختلفة في فاس ومكة والموصل وغيرها، كما سيأتي ذكرها في حينها. ولقد ذكر الشيخ بمزيد من التفصيل سند الخرقة التي تلقاها في إشبيلية وغيرها في رسالة له سماها "نسب الخرقة"، ولكن يبدو أن النسخ المطبوعة منها كلها ناقصة ولا تتفق مع المخطوطات الموجودة والتي قدّمت لها كلوديا عداس دراسة جيدة في كتابها "البحث عن الكبريت الأحمر" الذي ذكرناه في المقدمة. وتقول كلوديا عداس أن الشيخ محي الدين لم يذكر التاريخ الذي لبس فيه الخرقة إلا في مخطوطة أرسلها لها الدكتور عثمان يحيى رحمه الله. وقد وضعت كلوديا عداس في نهاية كتابها هذا ملحقا عن الطرق المختلفة التي تلقى بها الشيخ محي الدين الخرقة، وأوضحت أنه هناك بعض التناقض في رجال السلسلة بين النص الذي ذكرناه أعلاه والذي ذكره الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية في الباب الخامس والعشرين عندما تكلّم عن الخضر عليه السلام، وبين النص المذكور في رسالة نسب الخرقة. ولكن كلوديا عدّاس أخطأت عندما اعتبرت أن الشيخ محي الدين قد غيّر رأيه بلبس الخرقة عندما تلقاها في الموصل من شيخه علي ابن جامع بحضور قضيب البان وذلك كان سنة 601،[441]وإنما هو قال إنه أصبح يقول بلباس الخرقة لمّا رأى الخضر قد اعتبرها وذلك بعدما تلقاها من الشيخ تقيّ الدين عبد الرحمن بن علي بن ميمون بن أبي الوزري في إشبيلية سنة 592.