شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.5.9 - مقام الحزن

يقول الشيخ الأكبر أنه التقى بفاس برجل اسمه عبد الله السمّاد الذي كان الغالب عليه مقام الحزن. ويقول الشيخ محي الدين أن الحزن إذا فُقد من القلب خرب؛ فالعارف يأكل الحلوى والعسل، والمحقق الكبير يأكل الحنظل، فهو كثير التنغيص لا يلتذّ بنعمة أبداً مادام في هذه الدار لشغله بما كلّفه الله من الشكر عليها. فالعارفون بالنظر إلى هؤلاء كالأطفال الذين لا عقول لهم يفرحون ويلتذون بخشخاشه فما ظنك بالمريدين فما ظنك بالعامة.[411]

ثم يقول الشيخ الأكبر في الباب الرابع ومائة في مقام الحزن أن الحُزن مشتق من الحَزَن وهو الوعر الصعب والحزونة في الرجل صعوبة أخلاقه والحزن لا يكون إلا على فائت والفائت الماضي لا يرجع لكن يرجع المثل فإذا رجع ذكّر بذاته من قام به مثله الذي فات ومضى فأعقب هذا التذكر حزناً في قلب العبد ولا سيما فيمن يطلب مراعاة الأنفاس وهي صعبة المنال لا تحصل إلا لأهل الشهود من الرجال وليس في الوسع الإمكاني تحصيل جملة الأمر فلا بد من فوت فلا بد من حزن. وهذه الدار وهذه النشأة غفلة ما هي نشأة حضور إلا بتعمّل واستحضار فهل ما طلب منا نعجز عنه أو لا نعجز؛ ومحال أن يُطلب منا ما لم يجعل فينا قوة الإتيان به ويمكننا من ذلك فإن الله حكيم وقد أعطانا في نفس هذا الطلب علمنا بأن فينا قوة ربانية ولكن من حيث أنا مظهرها أكسبناها قصورا عمّا تستحقه من المضاء في كل ممكن فطلبنا المعونة منه فشرع لنا أن نقول "وإياك نستعين" و"لا حول ولا قوة إلا بالله".

وما يزيل الحزن إلا العلم الخاص وهو قوله "فبذلك فليفرحوا" (أي بفضل الله ورحمته، وليس بما يجمعون، حتى وإن كان من العمل الصالح) فإن الحزن مثل العلم سواء يرتفع بارتفاع المحزون عليه ويتّضع كذلك كالعلم يشرف بشرف المعلوم. والحزن مقام صعب المرتقى قليل من الخلق عليه وهو للكمّل من الناس.[412]

ثم قال رضي الله عنه في الباب الذي يلي ذلك وهو الباب الخامس ومائة في ترك الحزن أن ترك الحزن هو حال وليس بمقام وهو مؤدٍّ إلى خراب القلوب وفي طيّه مكر إلهي إلا للعارف؛ فإنه لا يخرج عن مقام الحزن إلا من أقيم في مقام سلب الأوصاف عنه، كما قيل لأبي يزيد البسطامي: "كيف أصبحت؟"، فقال: "لا صباح لي ولا مساء، إنما هي لمن تقيّد بالصفة وأنا لا صفة لي".[413]