شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.5.7 - الفيلسوف أبو عبد الله ابن الكتاني

وكان عالم الكلام الشهير أبو عبد الله بن الكتاني (توفي 597/1200)[405]من العلماء الذين التقى بهم الشيخ محي الدين في فاس وكان له معهم نقاشات عدّة حول موضوعات فلسفية في علم الكلام.

فيقول الشيخ محي الدين في الباب الخامس والستين من الفتوحات المكية أن الطريق الموصلة إلى العلم بالله طريقان لا ثالث لهما ومن وحّد الله من غير هذين الطريقين فهو مقلّد في توحيده. فأما الطريق الأولى فهي طريق الكشف، وهو علم ضروري يحصل عند الكشف يجده الإنسان في نفسه لا يقبل معه شبهة ولا يقدر على دفعه ولا يعرف لذلك دليلا يستند إليه سوى ما يجده في نفسه، وأما الطريق الثانية فهي طريق الفكر والاستدلال بالبرهان العقليّ وهذا الطريق دون الطريق الأوّل، فإن صاحب النظر في الدليل قد تدخل عليه الشُبَه القادحة في دليله فيتكلف الكشف عنها والبحث عن وجه الحق في الأمر المطلوب.[406]

وتجدر الإشارة هنا إلى أننا سوف نجد في الفصل الأخير من هذا الكتاب أن هناك اتفاق بين الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي وشيخ الإسلام تقيّ الدين ابن تيمية رغم ما يُعرف عن انتقاد ابن تيمية لابن العربي وتكفيره له، ولكن هناك نقاط اتفاق كثيرة تدلّ على أنهما في كثير من الأحيان وصلا إلى نفس النتيجة وإنما بطريقين مختلفين، فالشيخ ابن العربي سلك طريق الكشف وهو الطريق الأول الذي ذكرناه أعلاه، والشيخ ابن تيمية سلك الطريق الثاني وهو طريق الفكر، رغم أنه مؤمن بالأصل ومقلّد للنبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم، وإنما نقصد أنّه سلك طريق الفكر في الوصول إلى المبادئ الأساسية التي اعتمد عليها في رؤيته كنفي المجاز الذي شاركه به ابن العربي من طريق الكشف.

ولكن الشيخ محي الدين ابن العربي قد اختلف هنا مع الكتاني حول موضوع العلم الذي يأخذه الولي من طريق الكشف والفتح، هل يُفتح له مع دليله أم لا؟ فيقول الشيخ محي الدين أنه قد يفتح له فيه ولا يفتح له في دليله، وقد ذاقه هو. أما صاحبه الشيخ الإمام أبو عبد الله الكتاني فكان يقول إنه لا بدّ أن يُفتح له في الدليل من غير فكر ويرى ارتباطه بمدلوله. فلما سمع الشيخ الأكبر منه ذلك علم أن الله تعالى ما فتح عليه في مثل هذا العلم إلا على هذا الحد فما قال إلا ما كان فيه ذوقه؛ فإخباره أنه كذا رآه صحيح ولكن حكمه أنه لا يكون إلا هكذا فهو باطل.[407]وقد ناقشه الشيخ محي الدين في ذلك وأوضح له سبب قوله.[408]

ثم يضفي الشيخ الأكبر بعض التفصيل عن معرفة الحق تعالى في الفتوحات المكية في الباب السادس عشر "في معرفة المنازل السفلية والعلوم الكونية ومبدأ معرفة الله منها"، فيقول إن الكون لا تعلُّق له بعلم الذات أصلاً، وإنما متعلقه العلم بالمرتبة وهو مسمى الله، فهو الدليل المحفوظ الأركان السادّ على معرفة الإله وما يجب أن يكون عليه سبحانه من أسماء الأفعال ونعوت الجلال وبأيّة حقيقة يصدر الكون من هذه الذات المنعوتة بهذه المرتبة المجهولة العين والكيف. ثم يقول إنه لا خلاف عندهم في أن الذات لا تُعلم بل يُطلق عليها نعوت تنزيه صفات الحدث وأن القِدم لها والأزل الذي يطلق لوجودها إنما هي أسماء تدل على سُلوب من نفي الأولية وما يليق بالحدوث. ثم يضيف أن هذه المسألة هي موضع خلاف بينهم وبين جماعة من المتكلمين الأشاعرة الذين يتخيلون أنهم قد علموا من الحق صفة نفسية ثبوتية، وهيهات أنّى لهم بذلك! ولكن الشيخ محي الدين يقول أيضاً أن بعض أصحابه كأبي عبد الله الكتاني وأبي العباس الأشقر والضرير السلاوي صاحب الأروجوزة في علم الكلام قد أخذوا من علماء الكلام مثل أبي سعيد الخرّاز وأبي حامد وأمثالهما في قولهم: "لا يعرف الله إلا الله".[409]