شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.3.1 - مرسى عبدون في تونس 590/1193

لقد اشتهرت تونس وخاصة في فترة حكم المرابطين والموحدين ثم الحفصيين بالزوايا الصوفية التي كان يتجمّع بها العديد من الفقراء والزهّاد ويحضرون فيها حلقات الذكر عند الشيوخ المرشدين. كان من أهم هذه الأماكن مكان يعرف باسم مرسى عبدون وهو مكان مشهور في تونس يؤمّه الصوفية من كل بقاع المغرب، ولا يزال حتى الآن في حيّ شهير يعرف باسم سيدي بو سعيد. في ذلك الوقت، عند قدوم الشيخ محي الدين إلى تونس، كان الشيخ أبو عبد الله بن خميس الكناني، شيخ عبد العزيز المهدوي، مرابطا في هذا المكان، ويقود حلقة صوفية تخرّج منها الكثير من المشاهير.

بعد وفاة الشيخ الكناني تولى الشيخ عبد العزيز المهدوي الإشراف على حلقات الذكر في المرسى الذي رابط فيه الكثير من أصحاب الشيخ محي الدين وغيرهم من الصوفية مثل الشيخ محمد الدباغ وأبو يوسف يعقوب الدهماني (تـوفي 621) وأبو علي النفطي والشيخ أبو القاسم علي الهوازي والشيخ أبو سعيد الباجي الذي تولّى مشيخة الحلقة الصوفية بعد وفاة الشيخ عبد العزيز المهدوي (621/1224). ومن ضمن الصوفية المشهورين الذي تخرّجوا من هذا المكان الإمام أبو الحسن الشاذلي (توفي 656/1258) الذي نشأ في مرسية المدينة نفسها التي ولد بها الشيخ محي الدين وتتبع خطواته فجاء إلى تونس في حوالي 620/1223 ليتتلمذ على يد أبى سعيد الباجي في مرسى عبدون.

ويذكر الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية أن الشيخ عبد العزيز المهدوي حدثه عن أسرار هذا المكان وعن تاريخه الروحي وصلته بالأنبياء والحكماء والأولياء والعلماء وأنه مكان مقدّس يتجلى به الحق إلى قلوب العارفين، وسوف نرى بعد قليل كيف أن الشيخ محي الدين اجتمع بالخضر عليه السلام في هذا المكان. يقول الشيخ محي الدين في الباب الرابع من الفتوحات المكية، عن الشيخ المهدوي:

وقد كان رضي الله عنه يترك الخلوة في بيوت المنارة المحروسة الكائنة بشرقيّ تونس بساحل البحر وينزل إلى الرابطة التي في وسط المقابر بقرب المنارة من جهة بابها وهي تُعزى إلى الخضر، فسألته عن ذلك فقال إن قلبي أجده هنالك أكثر منه في المنارة! وقد وجدت فيها أنا أيضاً ما قاله الشيخ. وقد علم وليي أبقاه الله أن ذلك من أجل من يعمر ذلك الموضع إمّا في الحال من الملائكة المكرّمين أو من الجن الصادقين وإما من همّة من كان يعمره وفُقد كبيت أبي يزيد الذي يسمى بيت الأبرار وكزاوية الجنيد بالشونيزية وكمغارة ابن أدهم بالتعن وما كان من أماكن الصالحين الذين فنوا عن هذه الدار وبقيت آثارهم في أماكنهم تنفعل لها القلوب اللطيفة، ولهذا يرجع تفاضل المساجد في وجود القلب لا في تضاعف الأجر فقد تجد قلبك في مسجد أكثر مما تجده في غيره من المساجد وذلك ليس للتراب ولكن لمجالسة الأتراب أو هممهم ومن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمساجد فهو صاحب حال لا صاحب مقام.[358]

ثم يوضح الشيخ رضي الله عنه فضل المسجد الحرام على بقية المساجد كما سنذكره في الفصل الرابع عند الحديث عن مكة المكرمة.