شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

أبو الحجاج يوسف الشبربيلي

وهو من شبربيل وهي قرية شرقي الأندلس على فرسخين من إشبيلية، وكانت أكثر إقامته بالبادية صحب أبا عبد الله بن المجاهد وكان يعيش من عمل يده. دخل طريق التصوف قبل بلوغ الحلم ولم يزل عليها حتى مات. وكان ابن المجاهد إمام هذه الطريقة في إشبيلية يقول التمسوا الدعاء من أبي الحجاج الشبربيلي وكان يُكبره إذا زاره. ويقول الشيخ محي الدين عنه أنه رأى له بركات كثيرة، وكان ممن يمشي على الماء.

أخبر أبو الحجاج ابن العربي أنه كان يزور شيخه ابن المجاهد كل يوم جمعة فزاره في يوم جمعة على عادته فوجده واقفا على البنّائين بحائط داره التي يسكن بها وكان قد تهدّم فبناه ليستر عياله. فسلم عليه، فقال له: خالفت عادتك يا أبا الحجاج، فقال له يوسف: بل هو يوم الجمعة. فضرب يداً على يد وصاح أوّاه هذا ما فعل الضروريُّ الذي لا بدّ منه، فكيف لو زدنا؛ وناح وبكى على نفسه وتحسّر على وقته (لأنه فاتت عليه صلاة الجمعة). فكان أبو الحجاج كلما ذكر هذه الحكاية للشيخ محي الدين يبكي ويقول: هكذا تكون الرجال يبكون على فوات حظوظهم من الحضور مع الله.

وكان له بداره بالقرية بئر يستقي منها لوضوئه فرأينا بجانب البئر شجرة زيتون قد علت وأورقت وحملت جسمها غليظ فقال له صاحبي يا سيدنا لم غرست هذه الزيتونة في هذا الموضع وضيقت بها على البئر فالتفت إلينا ونظر وكان قد انحنى ظهره من الكبر فقال في هذه الدار ربيت من صغري ووالله ما رأيت قط هذه الزيتونة إلا الآن! فكان بهذه المثابة من الاشتغال بقلبه ما دخلت قط عليه ولا غيري إلا وجدته قارئا في المصحف لم يمسك كتابا غير المصحف حتى مات. وكان له هرة سوداء لا يستطيع أحد أن يمسكها ولا يلقي يده عليها وكانت ترقد في حجره وكان يقول لي لهذه الهرة تمييز لأولياء الله فهذا العذار الذي ترى فيها ما هو سدى قد جعلها الله تأنس بالأولياء فشاهدتها مرارا عنده فيدخل إنسان فتحك خدها في رجله وتتعلق به ويدخل أخر فتفر منه؛ ولقد دخل عليه شيخنا أول مرة دخل عليه -يعني أبا جعفر العريبي رحمه الله تعالى الذي ذكرته أولا- وكانت الهرة في البيت الآخر فخرجت من البيت ونظرت إلى شيخنا أبي جعفر وفتحت يديها على عنقه فعانقته ومرغت وجهها على لحيته فقام إليه أبو الحجاج حتى أجلسه ولم يقل شيئا فأخبرني أبو الحجاج أن ذلك الفعل ما رأيته قط فعلته مع غيره ولم تزل عنده حتى خرج من عنده. وجاءه رجل وأنا عنده في جماعة وفي عينيه وجع شديد يصيح منه مثل النفساء فدخل عليه وقد شق على الناس صياحه فاصفر وجه الشيخ وقعد وقلع يده المباركة ووضعها على عينيه فسكن الوجع من جبينه هذا الشخص كأنه الميت ثم قام وخرج مع الجماعة وما به من بأس. وكان له صاحب من صالح مؤمني الجن أبدا لا يبرح من عنده. دخلت عليه مع شيخنا أبي محمد رضي الله عنهما فقلت يا سيدنا هذا من أصحاب أبي مدين فتبسم الشيخ وقال عجب أمس كان عندنا أبو مدين رضي الله عنه نعم الشيخ وأبو مدين إذ ذاك ببجاية وبينه وبينهما مسيرة خمسة وأربعين يوما فكان كشفا بينهما وكانت هذه الحالة كثيرا تتفق لي مع أبي يعقوب فإن أبا مدين كان قد سكن عن الحركة وأحفظ من أخباره ما شاهدته كثيرا تضيق هذه العجالة عنه. وهكذا كل من أذكره وإنما أذكره ليعلم أن الزمان لا يخلو من الرجال.