شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.3.12 - لقاؤه بالأرواح

ولقد كان الشيخ محي الدين رضي الله عنه متمرّسا في عالم الأرواح لا يحجبه عنهم شيء، فكان يتصل بهم ويتواصل معهم كما لو أنه يتعامل مع العالم المادي لا فرق. وكان رضي الله عنه يقوم بذلك في النوم وفي اليقظة، وله في ذلك روايات كثيرة لا تحصر. فقد التقى مثلا بالقطب أحمد ابن هارون الرشيد (توفي سنة 184/800) كما سنرى ذلك بمزيد من التفصيل لاحقا: "لقيته بالطواف يوم الجمعة بعد الصلاة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وهو يطوف بالكعبة وسألته وأجابني ونحن بالطواف وكان روحه تجسَّد لي في الطواف حساً تجسُّد جبريل في صورة أعرابي"[172]وذلك أن الشيخ محي الدين لما رآه في الطواف استغرب حاله: "فإني ما رأيته يزاحِم ولا يزاحَم ويخترق الرجلين ولا يفصل بينهما فقلت هذا روح تجسد بلا شك فمسكته وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وماشيته ووقع بيني وبينه كلام ومفاوضة".[173]

فمن حكم نفوذ البصر أن يدرك صاحبه الأرواح النورية والنارية عن غير إرادة من الأرواح ولا ظهور ولا تصور، كابن عباس وعائشة رضي الله عنهما حين أدركا جبريل عليه السلام وهو يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على غير علم من جبريل بذلك ولا إرادة منه للظهور لهم، فأخبرا بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعلما أنه جبريل عليه السلام فقال لها صلّى الله عليه وسلّم أَوَقد رأيتيه؟ وقال لابن عباس أرأيته؟ قالا نعم، قال: ذلك جبريل.[174]

وكذلك ذكر الشيخ رضي الله عنه طرقا مختلفة تتجسد له بها الأرواح فيتعلم منهم ويعلّمهم، فقال شعرا في الباب الثاني والسبعين وهو باب أسرار الحج في آخر الجزء الأول من الفتوحات المكية:

فمنهم من تجسّد لي بأرضٍ|ومنهم من تجسّد حيث كنّا|فيخبرنا ونخبره بعلمٍ|فإني ثابتٌ في كلّ عينٍ|فهم يتصوّرون بكلّ شكلٍ

ومنهم من تجسّد في الهواء|ومنهم من تجسّد في السماء|ولكن لا نكون على السواء|وهم لا يقدرون على البقاء|كَلَوْن الماء من لون الإناء

وذلك في تجسد الأرواح المفارقة لاجتماع أجسامها في الحياة الدنيا المسمى موتاً، حيث رأى الشيخ الأكبر منهم جماعة متجسدين من الأنبياء والملائكة والصالحين من الصحابة وغيرهم وهم يتجسدون في صور المعاني المتجسدة في صور المحسوسات؛ فإذا تجلّى المعنى وظهر في صورة حسية تبعه الروح في صورة ذلك الجسد كان ما كان؛ لأن الأرواح المدبرة تطلب الأجسام طلباً ذاتياً فحيثما ظهر جسم أو جسد، حسّاً كان ذلك أو معنى، تجسد كالعمل الصالح في صورة شاب حسن الوجه والنشأة والرائحة فإن الروح تلزمه أبداً.[175]

وقال صدر الدين القونوي تلميذ ابن العربي أن شيخه كان متمكناً من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين وذلك من خلال ثلاثة طرق: إن شاء الله استنزل روحانيته في هذا العالم وأدركه متجسداً في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسّية العنصرية التي كانت له في حياته الدنيا، وإن شاء الله أحضره له في نومه، وإن شاء انسلخ هو عن هيكله واجتمع به.[176]