شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.3.11 - اعتزاله في المقابر ومصاحبته للموتى (~586/1190)

إن الجذبة التي حصلت للشيخ محي الدين عند دخوله إلى المقبرة كما ذكرنا أعلاه أطلعته على عالم آخر عادة ما يكون مهجوراً ومهملاً من قبل الناس، بل ويخشى معظم الناس من الاقتراب منه، وذلك عالم الأموات والأرواح. فنحن لا نشك أن الموت ما هو إلا انتقال من عالم المادة إلى عالم الروح، من سجن عالم الشهادة والملك إلى سعة عالم الغيب والملكوت. ولكنّ عجزنا عن الاتصال بهذا العالم وجهلنا به جعلنا نقف منه موقف العداء والحذر. ولكن لمّا تذوّق الشيخ محي الدين هذا العالم واتّصل مع أشخاصه كان دائما يرجع إليهم ويحنّ لهم ويعاشرهم ويكلّمهم ويلقي عليهم الدروس ويحاورهم فيقضي معهم الساعات والأيام بل الشهور معتزلا الناس وخوضهم في أحاديث الهوى.

ذكر مؤيّد الدين الجندي (توفي تقريبا سنة 700/1300) وهو أحد تلاميذ صدر الدين القونوي (توفي 672/1274) الذي تبنّاه ابن العربي كما سنتكلم عن ذلك في الفصل الخامس والفصل السابع إن شاء الله تعالى، ذكر أن الشيخ الأكبر بقي في الخلوة تسعة أشهر حيث دخل الخلوة في محرم وأذن له بالخروج في عيد الفطر. ويبدو أن هذه الخلوة كانت سنة 586 وذلك بعد دخوله الطريق بفترة ليست قصيرة.[170]وربما هذه هي نفسها الخلوة التي ذكرها الشيخ الأكبر في الفتوحات، حين بلغه أن شيخه يوسف بن يخلف الكومي قال إن ابن العربي ترك مجالسة الأحياء وراح يجالس الأموات، فبعث إليه أن لو جئتني لرأيت من أجالس! فصلى الشيخ يوسف الضحى وأقبل إليه وحده فوجده بين القبور قاعداً مطرقاً وهو يتكلم على من حضره من الأرواح فجلس إلى جانبه بهدوء، فنظر إليه الشيخ الأكبر فرآه قد تغير لونه وضاق نفسه فكان لا يقدر أن يرفع رأسه من الثقل الذي نزل عليه، وابن العربي ينظر إليه ويتبسم فلا يقدر الشيخ يوسف أن يتبسم لما هو فيه من الكرب. فلما فرغ ابن العربي من الكلام وصدر الوارد خُفّف عن الشيخ واستراح وردّ وجهه إليه فقبّل بين عينيه. فقال له الشيخ محي الدين: يا أستاذ من يجالس الموتى أنا أو أنت! قال: لا والله بل أنا أجالس الموتى، والله لو تمادى عليّ الحال فطست. ثم انصرف الشيخ يوسف وترك ابن العربي في خلوته مع الأحياء الذين في القبور. وبعد ذلك كان الشيخ يوسف يقول: من أراد أن يعتزل عن الناس فليعتزل مثل ابن العربي.[171]