1.8 - الوضع الثقافي في الأندلس قبيل ولادة ابن العربي
عاش ابن العربي في الفترة الذهبية من حكم الموحدين في الأندلس في ظل حكم الخليفة يوسف بن عبد المؤمن وابنه يعقوب المنصور، حيث انتعشت في زمانهما الحركة العلمية والدينية وبلغت أوجها، ثم رحل عنها مع استلام السلطان الشاب محمد الناصر بن يعقوب المنصور (595/1199-611/1215) حيث بدأت الدولة تنهار كما رأينا.
كان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (558/1163-580/1184) محبا للفنون والآداب رغم ميوله الحربية، وكانت إشبيلية التي عاش فيها ابن العربي معظم فترة شبابه أقرب إلى قلب أبي يعقوب من مراكش، حاضرته في المغرب، لأنه ولد في قرطبة وقضى في إشبيلية قدرا كبيرا من طفولته وكان واليا عليها في عهد أبيه. وقد اختصّ يوسف بن عبد المؤمن هذه المدينة بعدد من أجمل عمائر الموحّدين بالأندلس فشيّد بها القصور والمساجد وحرص على تجميلها بالحدائق. فأقام الخليفة يوسف بعض المشروعات في إشبيلية، كان من أشهرها بناء القنطرة على نهر الوادي الكبير، وإمداد إشبيلية بالماء وتجديد أسوارها التي خرّبتها السيول، وإنشاء القصور والبساتين فيها. وكان من أهم أعماله تأسيس جامع إشبيلية الأعظم سنة 567/1172، ثم أتم ابنه المنصور مئذنته الكبيرة سنة 584/1188، والتي يبلغ ارتفاعها 96 متراً وهي لا تزال قائمة حتى الآن.
وكذلك جلب الموحدون حولهم الأدباء والشعراء والفلاسفة الذين وجدوا في إشبيلية في عهد يوسف ابن يعقوب وعهد ابنه يعقوب المنصور (580/1184-595/1199) أفضل مكان ينهلون فيه العلوم ويتناقشون فيها بحرية وأمان. فكان يوسف بن يعقوب شغوفاً بالعلم يجلّ أهله ويقربهم إلى مجلسه، وكان هو نفسه عالماً بارعاً في الفقه وكاتبا، يحفظ صحيح البخاري، ملماً بعلوم اللغة العربية، وكان في مدة إقامته بالأندلس يزين مجلسه بقادة الفكر وزعماء الرأي من أمثال أبي بكر بن طفيل، وابن رشد الفيلسوف، وأبي بكر بن عبد الملك بن زهر الطبيب العبقري.