4.1.9 - الشيخ محمد المرّاكشي (مراكش، 597/1200)
وبالإضافة إلى أبي العباس السبتي فقد التقى الشيخ الأكبر في مراكش بالشيخ محمد المراكشي وكان قطباً متحققاً في مقام الصبر على الشدائد فكانت الشدائد تمرّ عليه فلا يتلقّاها إلا بالفرح والضحك فتُفرّج عنه وهو ينتقل من فرحٍ إلى فرحٍ ومن سرورٍ إلى سرور. يقول الشيخ محي الدين أنه كان يقول له: هل تصبر على حلول هذه النوازل المكروهة طبعاً (أم تطبّعاً)؟ فيقول: لما صبرت أولا فأنتج لي ذلك الصبر على الحكم الإلهيّ مشاهدة العين، فشغلتني عن كل حكم؛ فما أتلقّاه إلا به.[523]وربما من هنا معنى قول الله تعالى في سورة النحل (وما صبرك إلا بالله): [b]((وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ [127]))[/b].
ولقد كان المراكشي كثير الكلام والنصيحة والدعوة إلى الله تعالى، لا يصمت أبداً عن دلالة الناس على الله عز وجل، سواء أصغى له الناس أم لا، فإذا قيل له في ذلك يقول: أنا أؤدي فريضتي في كلامي وأنت بالخيار في مجالستي والإصغاء إلى ما نورده، أنا أتكلم مع من يسمع ما أتكلم مع من لا يسمع.
وكان الشيخ محمد المراكشي من أحفظ الناس على أوقات عبادته، وكان يريد أن يصطحب الشيخ الأكبر في سفره نحو المشرق وتحسّر كثيراً على فراقه ولكنه قال له: والله لولا مشاهدة العين التي حجبتني عن نفوذ الحكم الربّاني فيّ لسافرت معك! فوالله ما يغيب عنّي منك إلا تحوّل صورة الحق إلى صورة أخرى فأشهده غيباً ومحضراً! وربما من هذا المقام كان الشيخ محي الدين ابن العربي ينشد في الباب الثامن والسبعين ومائة في مقام الحب:
أغيب فيُفني الشوق نفسـي فألتقي
ويُحدث لي لقياه ما لم أظنه
لأني أرى شخصاً يزيد جماله
فلا بدّ من وجدٍ يكون مقارن
فلا أشتفي فالشوق غيباً ومحضـراً
مكان الشفا داءً من الوجد آخرا
إذا ما لقيناه نخوة وتكبرا
لما زاد من حسنٍ نظاماً محرر
ويقول إنه يشير بذلك إلى تجليه سبحانه في صور مختلفة في الآخرة لعباده وفي الدنيا لقلوب عباده كما ورد في صحيح مسلم من تحوله سبحانه وتعالى في الصور،[524]كما ينبغي لذاته من غير تشبيه ولا تكييف.[525]