1.1.4 - بعض مشاهير الطائيين
ويصعب تتبع النسب بعد عبد الله بن حاتم الطائي نظراً لتفرق الناس وخروجهم في الغزوات والفتوحات الإسلامية خارج جزيرة العرب إلى شتى أنحاء العالم، بما في ذلك المغرب العربي ثم الأندلس. ولكن العديد من بني عبد الله الحاتمي وأبناء عمومته كان لهم شأن كبير في تاريخ الإسلام، سواء في الفتوحات العسكرية أو في مجال العلوم والمعارف الإسلامية. ومن الواضح أن الكثير من بني حاتم لهم توجّه روحاني صوفي مثل ابن العربي.
* فمنهم: داود بن نُصير الطائي المكنى أبا سليمان الكوفي، اشتغل بالعلم مدة ودرس الفقه وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة وآثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة واجتهد فيها إلى آخر عمره. قيل أنه ورث من أمه داراً فكان ينتقل في بيوت الدار كلما خرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر ولم يعمّره، حتى أتى الخراب على عامّة بيوت الدار. وورث من أبيه دنانيرَ وكان ينفق منها حتى كُفّن بآخرها. وصام أربعين سنة ما علم به أهله؛ كان يحمل غداءه معه ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاءً لا يعلمون أنه صائم. وكان محارب بن دثّار يقول: لو كان داود الطائي في الأمم الماضية لقصَّ الله علينا من خبره! مات داود بالكوفة سنة ستين ومائة، وقيل: سنة خمس وستين ومائة.[29]
ويبدو أن هناك علاقة وطيدة بين داود الطائي والشيخ أبي مدين الذي تأثر به الشيخ محي الدين كثيرا كما سنرى في الفصل الثالث. فقد سرده المقرِّي مؤلف كتاب "نفح الطيب" في سلسلة شيوخه الذين أخذ عنهم في سلسلة ترجع عن طريق الحسن البصري وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن ضمنهم أبو مدين وداود الطائي.[30]بالإضافة إلى ذلك فإن الشيخ أبا مدين قد لبس الخرقة الصوفية من شيخه أبي يعزى من سلسلة رجال فيهم داود الطائي.[31]
* ومن الطائيين أيضاً الشاعر المشهور أبو تمام وهو حبيب بن أوس بن الحارس الطائي، وهو شامي الأصل، كان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس الأدباء، فأخذ عنهم وتعلم منهم، وكان فطِناً فهِماً. بلغ المعتصم خبره فدعاه إليه، فقال به أبو تمام قصائد عديدة، وأجازه المعتصم، وقدمه على شعراء وقته، وقدِم بغداد وجالس الأدباء وعاشر العلماء، وكان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس، وفي آخر عمره ولاه الحسن بن وهب بريد الموصل، وكانت له به عناية، فأقام بها أقل من سنتين، ومات بها في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ودفن بها، وكانت ولادته سنة تسعين ومائة.[32]ويقول الشيخ محي الدين في "محاضرة الأبرار" أن شيخه أبا بكر بن خلف بن صاف الكومي، وهو الذي درس عليه القرآن كما سنرى في الفصل القادم، كان ينشده من شعر أبي تمام الطائي البيتين الشهيرين:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى|ما الحبّ إلا للحبيب الأول
كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى|وحنينه أبداً لأول منزل