3.2.5 - بعض كرامات أبي مدين
ومن بعض صفاته الخارقة للعادة أيضاً، أن الشيخ أبا مدين كان "كلّه نظر". وهذا مقام عزيز لا يناله إلا المقرّبون من الله تعالى، وأصله من الحديث القدسي الشهير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله قال:
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته.[328]
فإذا كان الله سبحانه وتعالى هو بصر العبد المؤمن وسمعه ويده ورجله، أصبح العبد لشدّة قربه من الله تعالى يُبصر بما به يسمع، وبيده وكُلّه، لأنه يصبح كلُّه نور. ونجد أجمل وصف عن هذه الأحوال في قصيدة نظم السلوك لابن الفارض حيث يقول فيها:[329]
ومني على إفرادها كلُّ ذرةٍ|جوامع أفعال الجوارح أحصت
إلى أن يقول:
هي النفس إن ألقت هواها تضاعفت|قواها وأعطت فعلها كلُّ ذرة
فيروي الشيخ الأكبر عن الشيخ أبي مدين قصةً خارقة بهذا الخصوص عن ابن الشيخ أبي مدين الذي كان يرى الأشياء البعيدة في عرض البحر بواسطة أبيه:
كان للشيخ أبي مدين ولد صغير من سوداء وكان أبو مدين صاحب نظر (أي أنه يدرك كل شيء بحاسة النظر، أو أيضاً هو نفسه نظر) فكان هذا الصبي وهو ابن سبع سنين ينظر ويقول أرى في البحر في موضعٍ صفته كذا وكذا سفنا وقد جرى فيها كذا وكذا فإذا كان بعد أيام وتجيء تلك السفن إلى بجاية مدينة هذا الصبي التي كان فيها يوجد الأمر على ما قاله الصبي، فيقال للصبي بماذا ترى؟ فيقول: بعيني، ثم يقول: لا إنما أراه بقلبي، ثم يقول: لا إنما أراه بوالدي إذا كان حاضر أو نظرت إليه رأيت هذا الذي أخبركم به وإذا غاب عني لا أرى شيئا من ذلك.[330]