شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.3.1 - الدوافع

وفي كل الأحوال فمن الصعب أيضاً تحديد ما حصل بالتحديد لابن العربي مما أدى به إلى الدخول في طريق التصوف، وذلك لأن ابن العربي نفسه لم يتكلم عن هذه المسألة بشكل صريح ومباشر رغم أنه عادة ما يذكر ما يحصل له من الأمور المهمة بقدر جيّد من التفصيل. ولكن هناك رواية يذكرها القاري البغدادي في كتابه "مناقب ابن العربي" الذي خصصه لتوضيح سيرته والدفاع عن مذهبه وأقواله،[138]غير أنه، أي البغدادي، ربما لم يكن دقيقا بما فيه الكفاية لدرجة أنه لا يمكن الوثوق بكل ما يذكره مع أنه كان يحاول عن حسن نيّة إقناع المعارضين لابن العربي بأيّ ثمن. من أجل ذلك يجب أن نأخذ القصة التالية التي يرويها بحذر شديد، خاصّة وأنّها تبدو محبوكة بشكل جيّد وفقا لما يُروى عن أحوال الكثير من أعلام التصوّف كابن الأدهم وغيره، ولكن بما أنها هي المصدر الوحيد حتى الآن فلا بأس من ذكرها.

فيذكر البغدادي أنه في إحدى المناسبات دُعي والدُ ابن العربي إلى حفلة عند أحد أصدقاءه مع الأمراء والوزراء وأبنائهم وكان ابن العربي معهم. فبعد أن أكلوا حتى التخمة وجاء دور الشراب فصُبّ الخمر ودارت الكؤوس، فلما جاء الدور إلى محمد وملئ له الكأس فمسكه ليشرب ولكنه سمع صوتا يناديه: "يا محمد، أنت لم تُخلق لهذا!" فرمى الكأس من يده وخرج من الدار وخرج إلى خارج المدينة وهناك التقى براعي غنم فاستصحبه معه واستبدل بثيابه لباس الراعي وخرج إلى إحدى المقابر فوجد قبرا قد خرب وصار مغارة فدخل فيه وصار يذكر الله تعالى ولا يخرج إلا وقت الصلاة. فقال ابن العربي، كما يروي البغدادي، إنه بقي في تلك المقبرة أربعة أيام ثم خرج بكل هذا العلم الذي سطّر بعضه لاحقا في كتبه.[139]

وفي رواية أخرى لإسماعيل ابن سودكين النوري (توفي 646/1248)، وهو تلميذ ابن العربي المقرّب والذي رافقه في كثير من رحلاته في المشرق، يذكر في كتاب "الوسائل" أن ابن العربي قال إنه دخل الخلوة قبل الفجر وتلقى الفتح قبل طلوع الشمس، ولكن يضيف أنه بقي في هذه الخلوة أربعة عشر شهرا وأنه حصّل خلال هذه الفترة جميع العلوم التي تكلم بها. ويقول أيضاً أنّ فتحه كان نتيجة جذبة في تلك اللحظة.[140]

وعلى كلّ حال فكل هذه القصص، وإن صحّت، ليست بالضرورة دليلا على زمن دخول الشيخ محي الدين ابن العربي في طريق التصوّف ولا توضّح الدوافع الحقيقية لذلك؛ وإنّما يبدو من كل ما ذكرناه أعلاه أن الشيخ محي الدين كان منذ صغره له مثل هذا الميول ولم يحصل الأمر عنده فجأة أبدا عن طريق الجذبة.

ولكن قبل المضي في سيرة الشيخ محي الدين والتعمّق في تحليل حياته وعلومه لا بدّ أن نوضّح بعض هذه المصطلحات التي مرّت أعلاه كالجذبة والفتح والمريد والمراد والتي ستمرّ معنا في الفصول اللاحقة، كما سنحاول شرح كل مصطلح عندما نحتاج إليه.