شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.2.22.2 - استضافته في بيته ونصيحته لأبيه

فكان محمد يحب هؤلاء الفقراء ويعطف عليهم ويصاحبهم ويخدمهم حتى يستفيد منهم. وقد استضاف يوما هذا الشيخ الزاهد الفقير عبد الله القطان إلى بيته وطاعمه هو وأبوه، ولكن الشيخ لم يستطع السكوت عن الحق حتى في بيت أبي محمد علي العربي، الذي كان كما ذكرنا آنفا من أتباع السلطان. فمرّة استدعى محمد الشيخ القطان إلى بيته في الليل ليبيت عنده، فلما أخذ مجلسه جاء والد محمد رحمه الله، فلما دخل سلم عليه، فلما صلّوا العشاء وقدّم محمد الطعام وقعدوا يأكلون وانضم لهم والده يغتنم بركة الشيخ القطان، فردّ إليه الشيخ وجهه وقال: "يا شيبة منحوسة أما آن لك أن تستحي من الله؟ إلى متى تصحب هؤلاء الظلمة؟ ما أقل حياءك؟ أَأمنت من الموت أن يأتيك وأنت على شرّ حالة؟ أما لك في ابنك هذا موعظة؛ شاب صغير في شهوته قمع هواه وطرد شيطانه وعدل إلى الله تعالى يصاحب أهل الله، وأنت شيخ سوء على شفا حفرة من النار؟" فبكا والد محمد واعترف بحاله وتعجّب محمد من ذلك.[131]

ويبدو أن استضافته للشيخ القطان قد حصلت قبيل دخوله لطريق التصوف لأن القطان وصفه هنا بكلمة "شاب صغير في شهوته، قمع هواه وطرد شيطانه" فربّما كان ذلك في عمر يقارب الخامسة عشر أو قبيل ذلك بقليل أو بعده بقليل. وهذا يدعم ما قرّرناه أعلاه أن الشيخ محي الدين كان يميل إلى التصوف ورجاله قبل أن يلتزم معهم بمدة ليست بقليلة.[132]

لا شكّ أن مصاحبة عبد الله القطان قد تركت في نفس ابن العربي أثرا عميقا. وسوف يبقى ابن العربي وفيّاً لهذا الشيخ يذكره دائما بالخير، وسنرى في الفصل القادم كيف أنه سيزوره مرة أخرى في قرطبة بعد أن يعود من رحلته الطويلة إلى مدينة فاس في المغرب وبرفقته صاحبه عبد الله بدر الحبشي الذي سيرافقه في جميع أسفاره. وبدر الحبشي كان عبدا عند أبي الفتوح الحرّاني ثم أطلقه فالتزم الشيخَ محي الدين جميع حياته حتى توفي، وسوف نتكلم عنه بالتفصيل لاحقا، ولكننا سنلاحظ أن الشيخ محي الدين يحاول دائما أن يعرّف صاحبه بدرا على جميع الشيوخ الذين التقى بهم بما فيهم عبد الله القطّان.