شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.1.13.1 - الخير والشرّ (القاهرة، 603/1207)

وذكر الشيخ محي الدين في كتاب "محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار" أنه بات مرة مع جماعة من الصالحين منهم أبو العباس الحريري الذي كان إماماً بزقاق القناديل بمصر وأخوه محمد الخياط وعبد الله المروري ومحمد الهاشمي اليشكري ومحمد بن أبي الفضل، فرأى في نومه أنهم كانوا في بيتٍ شديدٍ الظلمة وليس لهم من النور سوى ما ينبعث من ذواتهم فكانت الأنوار تنفهق من أجسامهم فيضيؤون بها، فدخل عليهم شخص من أحسن الناس وجها ومنطقا، فقال: أنا رسول الحق إليكم، فقال له الشيخ محي الدين (في النوم) فما جئت به في رسالتك؟ فقال:اعلموا أن الخير في الوجود والشرّ في العدم، أوجد الإنسان بجوده، وجعله واجداً ينافي وجوده، تخلّق بأسمائه وصفاته، وفني عنها بمشاهدة ذاته، فرأى نفسه بنفسه، وعاد العدد على أسّه، فكان هو ولا أنت.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الرؤية تأصّلت عند ابن العربي وأصبحت أساساً في مذهبه الصوفي والمعرفي، فابن العربي يرى أنه في الحقيقة ليس هناك شرّ في الوجود، بل الوجود كلّه خير والشرّ في العدم فقط؛ فالوجود الحق نورٌ محضٌ والعدم المطلق باطلٌ محضٌ، والوجود المشهود الذي نعيش به هو مزيجٌ من الوجود الحق والعدم المحض، أو بكلام آخر هو الظهور النسبي للوجود الحق الذي هو النور الحق المبين. فالشرّ الذي نشهده ليس له وجود قائم بنفسه بل هو في الحقيقة عدمُ ظهور الحق.

وهذا الكلام ينطبق أيضاً في العالم الطبيعي على النور والظلمة والألوان التي نشهدها في العالم؛ فالظلمة هي لا شيء فهي عدم محض، والنور المطلق هو الوجود الحق، والصور (ذات الألوان) التي نراها هي مزيج بين النور والظلمة، أو هي الظهور النسبي للنور. فمن المعروف في العلم أن اللون الأسود هو في الحقيقة انعدام النور وليس هناك ضوء أسود في حين أن هناك ضوء أحمر وأزرق وأصفر وأما الضوء الأبيض فهو مجموع كل هذه الألوان في حين أن الضوء الأسود هو انعدامها. فالظلمة هي العدم المحض والوجود الحق هو النور المحض وهو الله سبحانه وتعالى الذي يقول في سورة النور [b](([/b]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...[b][35]))[/b]، ويقول أيضاً في سورة الحديد [b](([/b]هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[b] [3]))[/b]، فليس في العالم على الحقيقة غير الخير، والشرّ ما هو إلا امتناع ظهور الخير.