شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.6.18 - تاج الرسائل (مكة، 600/1203)

ويضيف الشيخ محي الدين أنه من ذلك الوقت وقع الصلح بينه وبينها وخاطبها بعد ذلك بسبعة رسائل كتبها في كتاب سماه "تاج الرسائل ومنهاج الوسائل" لكل شوط رسالة مخصصة إلى الصفة الإلهية التي تجلت له في ذلك الشوط.

وقد ألف الشيخ محي الدين هذا الكتاب في مكة سنة 600، وفي نفس هذه السنة، في الرابع والعشرين من ذي القعدة، قرأ أيضاً هذا الكتاب على تلاميذه ومنهم عبد الله بدر الحبشي وإسماعيل بن محمد الرومي.[629]

ثم يقول ابن العربي أنه بعد ذلك جاءه بشرى من الكعبة المشرّفة على لسان رجل صالح من أهل الكشف لم يكن عنده خبر بما كان بينه وبينها مما ذكرناه أعلاه، فقال له هذا الرجل: "رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة وهي تقول لي يا عبد الواحد سبحان الله ما في هذا الحرم من يطوف بي إلا فلان، وسمّتْك لي باسمك، ما أدري أين مضى الناس! ثم أُقمتَ لي في النوم وأنت طائف بها وحدك لم أرَ معك في الطواف أحداً، فقالت لي انظر إليه؛ هل ترى بي طائفاً آخر؟ فقلت: لا والله لا أرى."[630]

وقد ذكر الشيخ محي الدين في بداية الباب الأول من الفتوحات المكية، الذي خصصه لمعرفة الروح الذي أخذ من تفاصيل نشأته ما ذكره في الكتاب كما ذكرنا، ذكر بعضاً من أسرار الطواف بالكعبة المشرّفة ومعنى الأدوار (الأشواط) السبعة. ومن ذلك قال شعراً:

قلت عند الطواف: كيف أطوف!
جُلمد غيرُ عاقل حركاتي
انظر البيت نورُه يتلالا
نظرتُه بالله دون حجاب
وتجلّى لها من أفق جلالي
لو رأيتَ الوليّ حين يراه
يلثم السرّ في سواد يميني
جُهلت ذاته فقيل كثيفٌ
قال لي حين قلت: لِم جهلوه؟
عرفوه فلازموه زمانا
واستقاموا فما يُرى قطُّ فيهم
قم فبشّر عني مُجاور بيتي
إن أُمِتهم فرّحتُهم بلقائي

وهو عن درك سرّنا مكفوف
قيل: أنت المحيّر المتلوف
لقلوبٍ تطهّرت مكشوف
فبدا سرّه العليّ المنيف
قمرُ الصدق ما اعتراه خسوف
قلتَ فيه مدلّهٌ ملهوف
أيُّ سرٍّ لو أنه معروف
عند قوم وعند قوم لطيف
إنما يعرف الشـريفَ الشـريفُ
فتولاّهم الرحيم الرؤوف
عن طواف بذاته تحريف
بأمانٍ ما عنده تخويف
أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف[631]

فسِرّ الحجر الأسود هو العنصر الأعظم، وهو عنصر شريف، ولا يعرف الشريف غير الشريف. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشيخ محي الدين ابن العربي يتكلّم كثيرا في كتبه عن هذا العنصر الأعظم ولكن من غير تصريح وهو لا يذكره بهذا الاسم إلا في بعض كتبه مثل كتاب عقلة المستوفز حيث يقول هناك إن العنصر الأعظم الشريف هو لكرة العالم كالنقطة والقلم لها كالمحيط واللوح ما بينهما، وفي كتاب مرآة العارفين يقول إن العنصر الأعظم هو حالة الرتق، وكما بيّنت الدكتورة سعاد الحكيم أن ابن العربي يعتبر أن الماء أحد أسماء هذا العنصر الأعظم وذلك من قوله تعالى في سورة الأنبياء: [b](([/b]أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [30][b]))[/b].[632]وهناك أسماء أخرى منها "حقيقة الحقائق"، ويقول ابن العربي في عقلة المستوفز أن هذا العنصر هو أكمل موجود في العالم ولولا عهد الستر الذي أُخذ عليه في بيان حقيقته لبسط الكلام فيه وبيّن كيفيّة تعلّق كلّ ما سوى الله به.[633]