شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.6.13 - معنى الطواف حول الكعبة المشرّفة

ويربط الشيخ محي الدين ابن العربي رضي الله عنه بين خلق العالم في أسبوع كما اختصرناه أعلاه وبين الطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرّفة، حيث أن الصورة الجوهريّة التي ذكرنا أن الله تعالى يخلقها في ستّة أيّامٍ ثم يعيد خلقها في العالم بصور مختلفة تمثّل الكعبة المشرّفة التي هي بمثابة اللبنة بالنسبة لبناء العالم. فلمّا كان العالم في ثلاثة جهات كانت الشكل الأساسي به هو المكعب الذي له أربع قوائم هم مثل حملة العرش وثمانية زوايا هم مثل الأسماء الإلهية الثمانية وهي الذات مع السبعة صفات (الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، السمع، البصر، الكلام) وهي الصفات التي تلزم وتكفي حتى يكون الله تعالى إلهاً خالقا لهذا العالم.

فالكعبة المشرّفة إذاً هي بمثابة الجوهر الفرد الذي خلق الله منه العالم، ولكنّ هذا الجوهر الذي هو أصل العالم هو نفسه مخلوق ومركّب؛ وبالتالي فإنّ وحدة الوجود على هذا المستوى الذي وصفناه أعلاه لا تعني أبداً وحدة الخلق بالخالق سبحانه وتعالى، كما يعتقد من لا يفهمها من المنتقدين بغير علم. بل هي وحدة الخلق والعالم من حيث الأصل وليس من حيث الفصل؛ فهي وحدة لها مظاهر كثيرة. ولكن من جهة أخرى وعلى مستوى أعلى فإنّ الخلق كلّه لا يمكن أن يكون له وجود مستقلّ عن الله تعالى، أي لا يمكن أن يكون الخلق قائما بنفسه بل هو قائم بالله تعالى. ولذلك فإنّ هذا الجوهر الفرد الذي هو مثل الكعبة المشرّفة له أجزاء يقوم منها وهذه الأجزاء هي أيضاً ليست متكثّرة بل هي واحدة بالأصل كثيرة بالمظهر، مثل قوائم الكعبة المشرّفة وبنيانها هي عبارة عن تكرار اللبنات من الحجر التي أساسها الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض كما رأينا وكما وردت في ذلك الأحاديث الكثيرة. وبشكل مشبه يقول ابن العربي أن الجوهر الفرد رغم أنه لا يجزّأ إلا أنه في نفسه مؤلّف من شيء آخر يسمّيه العنصر الأعظم الذي هو أكمل شيء في الوجود. فالعنصر الأعظم والجوهر الفرد والعالم مثل الحجر الأسود والكعبة والعالم أو مثل الذرّة واللبنة والبناء؛ فأيّ بناء يتألّف من وحدات أساسية هي اللبنات ولكنّ اللبنة رغم أنها واحدة فهي تتألّف من ذرّات هي التي كوّنتها. فالبناء ما هو غير اللبنات، واللبنات ما هي غير الذرّات، وهكذا.