شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.5.3.1 - يصف الشيخ محي الدين نظام في بداية ترجمان الأشواق فيقول:

بنت عذراء طفلة هيفاء، تقيّد النواظر، وتزين المَحاضر، وتُسِرّ المُحاضِر، وتحيّر المَناظر تسمى بالنظام،[572]وتُلقب بعين الشمس والبهاء، من العالمات العابدات، السائحات، الزاهدات. شيخة الحرمين، وتربية البلد الأمين الأعظم بلا مَين.[573]ساحرة الطرف، عراقية الظرف. إن أسهبت أتعبت، وإن أوجزت أعجزت، وإن أفصحت أوضحت. إن نطقت خرس قسّ بن ساعدة، وإن كرُمت خنس معن بن زائدة، وإن وفّت قصر السموأل خطاه، وأغرى ورأى بظهر الغرر وامتطاه. ولولا النفوس الضعيفة السريعة الأمراض، السيئة الأغراض، لأخذت في شرح ما أودع الله تعالى في خَلقها من الحسن، وفي خُلقها الذي هو روضة المزن. شمس بين العلماء، بستان بين الأدباء، حُقّة مختومة، واسطة عقد منظومة...[574]

ويصف الشيخ محي الدين أول نظرة رأى فيها نظام في مقدمة الكتاب الشهير الذي كتبه في محاسنها ونشر فيها من الغزل الروحاني اللائق والنسيب الرائق ما فاق فيه الشعراء وفتح باباً جديداً في التعبير عن العلوم الروحانية بطريقة شعرية ما سبقه إليها أحد، وترك الشعراء والأدباء والنقّاد على مدى العصور بعده يتيهون في التأويلات المختلفة لهذه العلاقة الغريبة بين الشيخ وهذه الفتاة، فتارة يبرّرون وتارة ينتقدون وكثيراً ما يعجزون عن التفسير، ولكن الجميع لا يستطيع إلا أن يبدي إعجابه بهذا النظم البديع والأدب الرفيع.

يقول الشيخ محي الدين في مقدمة شرحه لكتاب "ترجمان الأشواق" أنه كان يطوف ذات ليلة بالبيت فطاب به الوقت وهزّه حال كان يعرفه من قبل، فخرج من البلاط بعيداً عن الناس، وصار يطوف على الرمل، فتذكر أبياتا من الشعر وأنشدها بهدوء بحيث لا يُسمع إلا نفسه ومن يليه لو كان هناك أحد، وهي:

ليت شعري هل دروا
وفؤادي لو درى
أتراهم سلموا
حار أرباب الهوى

أيَّ قلب ملكوا
أيَّ شِعب سلكوا
أم تراهم هلكوا
في الهوى وارتبكو

ثم يتابع فيقول:

فلم أشعر إلا بضربة بين كتفيَّ بكفّ ألين من الخزّ؛ فإذا بجارية من بنات الروم لم أر أحسنَ منها وجهاً، ولا أعذبَ منطقاً، ولا أرقَّ حاشيةً، ولا ألطفَ معنىً، ولا أدقَّ إشارةً، ولا أظرفَ محاورةً منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفاً وأدباً وجمالاً ومعرفةً.

فطلبت منه هذه الفتاة أن يُعيد ما قاله، وكانت تعرفه ولم يكن يعرفها، فأعاد عليها البيت الأول، فاستوقفته وقالت: عجباً منك أنت عارف زمانك تقول مثل هذا! وأخذت تناقشه في الأبيات بيتاً بيتاً، وتوضح له أن حال المحب الكامل الفاني في محبوبه لا يكون كما وصف وإنما لا يكون له لسان يصف به ولا قلب يحتار به.

فقال لها الشيخ محي الدين: يا بنت الخالة، ما اسمك؟ قالت: قرّة العين. قال: لي.[575]

ثم سلّمت نظام وانصرفت، ولكنها تركت في قلب الشيخ الأكبر أثراً كبيراً غيّر حياته الروحية، لتكون أكثر ضياءً وصفاءً وبهاءً وعطاءً، وليس كما قد يظن البعض أنها قد تكون فتنته فأثنته عمّا هو في سبيله من الزهد والعبادة، فلكل شيء ميزان، وقد آن الأوان، وانقضى عهد الرهبانية بعد الوصول إلى الأمان، وقد بلغت الشمس الآن وضع الزوال وحان وقت الأذان. فهل تزوّج الشيخ محي الدين من هذه الفتاة؟