شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.8.10 - ابن سيدبون (مرسية 595/1199)

ثم تابع الشيخ الأكبر رحلته إلى مسقط رأسه مرسية وكأنه يريد أن يلقي عليها النظرة الأخيرة، وربما قصد تصفية أموره فيها حيث أنه يعتزم السفر بشكل نهائي إلى المشرق.

وفي مرسية التقى الشيخ محي الدين بالإمام أبي أحمد بن سيدبون، الذي التقاه بوادي آش، ولم تكن حالته جيدة مع الحق مع أن أغراضه كانت حميدة كما يقول عنه الشيخ رضي الله عنه في كتاب الكتب الذي ذكرناه أعلاه، فيقول:

فلقيته بمرسية وقد أدبه الحق وهجره الخلق، مكسوف البدر خامل القدر، لا يُنظر إليه ولا يُعوّل عليه، قد هجره حبيبه ومقته قريبه، تصفية إن شاء الله وتطهيرا، ليتحقق بكون الله عليما خبيرا، وذلك لأمور طرأت لا يمكن ذكرها إلا مشافهة، ولا يُتحدث بها إلا مواجهة، لكن الشيخ، وفقه الله، أغراضه حميدة، ومساعيه في نفسه منججة سعيدة، غير أنه أعطي ملكا غاب عنه تدبيره، فأول من ثار عليه وزيره، وحُرم سياسته فلم يحكم رياسته،[485] يبدو لك الصدق على وجهه والمقصد الحسن على عرضه، فإن أمضاه في عالم الشهادة عاد قبيحا، وصار فاسدا بعد ما كان صحيحا، فدعا لكم والشيخ أبي عمران المعلم وثبته بكل صفة فاضلة فيه، فرحلت من عنده وقد بكى لفراقي متفجعا، وخرج معي إلى بعض الطريق مشيعا.[486]

ولا شك أن أبا أحمد بن سيدبون كان عالما جليلا حيث يقول عنه الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الفتوحات المكية أنه عندما التقاه بمرسية سأله إنسان عن اسم الله الأعظم فرماه بحصاة يشير إليه أنك اسم الله الأعظم.[487]

وفي الباب الثالث والثمانين ومائتان في معرفة منزل القواصم وأسرارها من الحضرة المحمدية، يذكر الشيخ محي الدين أن الشيخ أبا أحمد ابن سيدبون رغم علوّ مرتبته فقد يلتبس عليه الأمر مثل الإمام أبي حامد الغزالي وغيره من العلماء الذين قالوا أن الإنسان إنما يطرأ عليه التلبيس ما دام في عالم العناصر فإذا ارتقى عنها وفُتحت له أبواب السماء عصم من التلبيس فإنه في عالم الحفظ والعصمة من المردة والشياطين فكل ما يراه هنالك حق. ولكن الشيخ محي الدين يقول إن الذي ذهبت إليه هذه الطائفة من رفع التلبيس فيما يرونه لكونهم في محالّ لا تدخلها الشياطين فهي محالّ مقدسة مطهرة كما وصفها الله وذلك صحيح أن الأمر كما زعموه، ولكن إذا كان المعراج فيها جسماً وروحاً كمعراج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأما من عرج به بخاطره وروحانيته بغير انفصال موت بل بفناء أو قوّة نظر يعطى إيّاها وجسده في بيته وهو غائب عنه بفناء أو حاضر معه لقوة هو عليها فلا بدّ من التلبيس إن لم يكن لهذا الشخص علامة إلهية بينه وبين الله يكون فيها على بيّنه من ربّه فيما يراه ويشاهده ويخاطب به. فإن كان له علامة يكون بها على بيّنة من ربّه والتلبيس يحصل له وعدم القطع بالعلم في ذلك إن كان منصفاً وقد يكون الذي شاهده حقاً ويكون معصوماً محفوظاً في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك فإذا كان على بيّنة من ربّه حينئذ يأمن التلبيس كما أمِنته الأنبياء عليهم السلام فيما يُلقي إليهم من الوحي في بيوتهم.[488]