شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

الشيخ صالح الخراز

و كان الشيخ صالح بإشبيلية وهو من أهل الجد والاجتهاد والورع في العبادة؛ أقبل على العبادة وهو ابن سبع سنين أو دونها، كان مبهوتا أبدا ما لعب قط مع الغلمان ولا كلمهم، فكان طويل الصمت يقول أصحابه الذين كانوا معه ما كلمنا قط إلا فيما لا بد منه.كان يعمل الخرز من أجل ورعه حتى يأكل من عمل يده وكان له والدة وكان بارّاً بها. نسخ بيده -مع صغر سنه- كتاب ابن العسال الكبير. وكان يحب العزلة حتى انتقل إلى سكن البادية يبتغي الإنفراد والعزلة.

ويروي عنه الشيخ محي الدين قصة وذلك أنه كان لا يقضي حاجة أبدا ولا يعمل شغلا قط لمن يعرف منه أنه يراه بعين التعظيم؛ فكان أكثر شغله مع الغرباء الذين يطرقون المدينة لا يعرفونه ولا يعرفهم. فمرة أرسل إليه الشيخ محي الدين بعض أصحابه بنعله وقد قطعه عمدا ليجد سبيلا إلى مكالمته؛ فسلّم عليه فردّ عليه السلام، فقال له: هذا نعلي أخرزه لي. فقال له: إن هذا النعل بيدي أصلح شأنه لصاحبه وقد دفع لي أجره وأنا واقف بحيث لا يراني. فقال له: أمسكه عندك حتى تفرغ من هذا النعل وتصلحه. فقال له الشيخ صالح: ولعلي أموت قبل ذلك؛ ترى غيري دون شغل أدفعه له. فقال: ما أريد أن يصلحه أحد إلا أنت. قال له الشيخ صالح: قد قلت ما سمعت، واشتغل بذكره. قال له: تراني أقعد هنا ونعلي عندي حتى تتمه وتصلحه. قال له ذلك لك إن شئت ولكن حتى أعرفك بأجري عليه. قال له: قل! قال الشيخ صالح: أجري عليه ثمن درهم. قال له الرجل: أنا أدفع لك ربع درهم. قال له الشيخ صالح: ما يساوي. قال له الرجل: ذلك مني مسامحة. قال: غيري أحوج إليه مني، إن كنت تعطي لله فإني قد أخذت قوت اليوم. قال له الرجل: لا بد من ذلك. قال له الشيخ صالح: قد صدعتني يا إنسان سِر عني لا أعمل لك شغلا، وأقبل على ذكره وشغله. فرجع الرجل إلى ابن العربي منكسر القلب، فقال له ابن العربي قد طوّلت عليه، ارجع إليه مرة أخرى وقل له: إخرزه لي ابتغاء ثواب الله لا أدفع لك عليه شيئا. فرجع إليه فقال له ذلك؛ فنظر إليه ساعة وقال له أنت مرسول. ثم التفت الشيخ صالح فأبصر ابن العربي فقال للرجل: اترك نعلك وانصرف عني فإذا كان العصر فتعال إلي فإن وجدتني حيّاً دفعته لك وإن وجدتني ميتاً فتراني أوصي لك هذا الجار. ثم التفت الشيخ صالح وأشار إلى الشيخ محي الدين فأقبل إليه، فقال هكذا تفعل الأصحاب! يقابلون إخوانهم بما يسوؤهم، لا تعد لمثلها، ولولا ما جعل الله في قلبي من الألفة ما رأيتك، ولكن استر عليّ.[274]