شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.4.3.18 - آخر زيارة للعريبي

دخل عليه الشيخ محي الدين في آخر مرة رآه فيها وكان معه جماعة، فوجدوه قاعداً فسلموا عليه وقد أراد بعض الجماعة أن يسأله، فإذا به رضي الله عنه قد رفع رأسه وقال: خذوا مسألة، وقد رأيتك بها يا أبا بكر، وأشار إلى ابن العربي، لم أزل أتعجب من قول أبي العباس بن العرّيف: "حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل"، ونحن نعلم أن من لم يكن فانيا ومن لم يزل باقيا فإيش قال أجيبوا؟ فلم يكن في الجماعة من أجابه. فعرض على الشيخ محي الدين الجواب ولكن نفسه حضرته بعثوره على وجه المسألة دونهم، فلم يتكلم لأنه، كما يقول، كان شديد القهر لنفسه في الكلام. ولكن الشيخ العريبي عرف ذلك منه فلم يُعد عليه.[212]

ونجد الشيخ محي الدين لاحقا يستخدم هذه العبارة في دعواته وصلواته على النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول في الصلوات الفيضية: (اللهم أسألك) أَن تُصَلي على سيِّدنا محمَّدٍ صلاةً تكحلُ بها بصيرتي بالنورِ المرشوش في الأَزل، لأَشهد فناء ما لم يكن وبقاء ما لم يزل، وأَرى الأَشياء كما هي فِي أَصلها معدومة مفقودة وكونها لم تشم رائحة الوُجود فضلا عن كونها موجودة.[213]

فالحقيقة أن علم ابن العربي بهذه المسألة، والذي لم يبُح به في وقتها، هو أساس علومه في الفتوحات المكية وغيرها، وهو أن الخلق على الحقيقة إنما يعيشون في عالم الخيال أو البرزخ. وهذه النظرية التي أسسها ابن العربي لها أبعاد فلسفية جليلة ناقشها الأستاذ سليمان العطار في كتابه "الخيال عند ابن العربي: النظرية و المجالات"، المنشور من قبل دار الثقافة في القاهرة، سنة 1991. فالخلق كلهم على الحقيقة ليس لهم وجود مطلق بل هم في برزخ يتأرجحون بين الوجود والعدم، فوجودهم بالله تعالى، وليس وجودا تلقائيا أو مطلقا كما نظن ونشهد. ومن هنا كانت رؤية ابن العربي التي يسمونها "وحدة الوجود" التي سنناقشها في الفصل الأخير من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.