شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.4.2.8 - الوصول إلى الله سبحانه وتعالى

من المعروف أن هدف الصوفي هو الوصول إلى الله تعالى، وهذا أمرٌ قد يكون مشكلا على بعض الناس، فلا يعرفون كيف يكون، لأن الإنسان اعتاد على تقدير كل شيء بالمسافة والبعد؛ والله ليس كذلك بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد. ولكن السالك الذي يسلك طريق الله تعالى، الذي هو الشريعة، ليصل إلى الحقيقة، يمرّ على المقامات القلبية التي يقطعها في سلوكه مثل التوبة والمحاسبة والخوف والرجاء والمراقبة والزهد والورع والصبر واليقين والحياء وغيرها. فليس المُراد من الوصول إلى الله تعالى المعنى المعروف بين ذوات الأشياء المادية وغير المادية، فالله ليس متحيّزا في مكان حتى يُسلك طريق فيوصل إليه. قال ابن عطاء الله السكندري: وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به، وإلا فجلّ ربُّنا عن أن يتّصل به شيءٌ أو يتّصل هو بشيءٍ.[192]

وقد يبدو الطريق الموصل إلى الله تعالى، وهو عبور هذه المقامات القلبية التي ذكرناها، طويلا جدّاً وشاقّاً ويحتاج إلى مجاهدة ورياضة طويلة. ولكن ابن العربي يذكر أن الشيخ أبا يعقوب يوسف بن يخلف الكوميّ يقول: بيننا وبين الحق المطلوب عقبة كؤود ونحن في أسفل العقبة من جهة الطبيعة فلا نزال نصعد في تلك العقبة حتى نصل إلى أعلاها، فإذا استشرفنا على ما وراءها من هناك لم نرجع، فإن وراءها ما لا يمكن الرجوع عنه، وهو قول أبي سليمان الدارانيّ: "لو وصلوا ما رجعوا" يريد إلى رأس العقبة، فمن رجع من الناس إنما رجع من قبل الوصول إلى رأس العقبة، والإشراف على ما وراءها.[193]

وأما من يصل من الكُمَّل من الرجال فإنه لا يعود إلى الدنيا إلا لطلب الكمال وإرشاد العباد. وقد ذكرنا ذلك في كتاب سلوك القلب من الوجود إلى الفناء ثم البقاء؛ فبعد أن يفنى العبد عن نفسه، ويبقى بربّه، يمكن أن يعود إلى الدنيا ليكون دليلا على ربّه، وهي الدعوة إلى الله على بصيرة كما ذكرها الله تعالى في آخر سورة يوسف.