شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.3.5 - ترجمان الأشواق (مكة، رجب-شعبان-رمضان 611/1214)

لقد ذكرنا أعلاه شيئاً عن سبب تأليف الشيخ محي الدين ابن العربي لكتابه الشهير "ترجمان الأشواق" وقلنا أنه خصصه لمدح نظام بنت الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني التي عرفها في مكة سنة 598 عندما قدم إليها لأول مرة قادما من المغرب. وعلى خلاف ما ذكر عثمان يحيى رحمه الله في تصنيفه لكتب ابن العربي،[766]فإن الشيخ محي الدين لم يكتب هذا الكتاب في ذلك الوقت، ولكن ربما كتب بعض القصائد التي ضمّها هذا الكتابُ على فترات متباينة، ابتداءً من سنة 598 ثم جمعها في كتاب واحد في هذه السنة في مكة خلال الفترة من شهر رجب إلى شهر رمضان. فمن الملاحظ أولا أن الشيخ محي الدين عندما يذكر أبا شجاع في مقدمة ترجمان الأشواق يترحّم عليه، مما يعني أنه كتب ذلك بعد موته الذي كان سنة 609/1212.[767]يضاف إلى ذلك أنه في كثيرٍ من قصائده يشير إلى أماكن محددة في بغداد والبصرة والتي لم يزرها إلا في سنة 601 ثم 608.[768]

ومن جهة أخرى كما أوضح ستيفين هرتنشتاين فإن أحد المخطوطات في مكتبة راغب باشا يشير إلى أن هذا الكتاب قد تم تأليفه على مدة عشر سنوات وأنهي بتاريخ 25 رجب 614/1217، مما يعني أنه قد بدء به سنة 604، حسب هذا المخطوط.[769]

من الجدير بالذكر هنا أن الكثير من، بل ربما جميع، القصائد التي ذكرها الشيخ محي الدين ابن العربي في كتاب ترجمان الأشواق ذكرها أيضاً في كتاب "محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار"، ولكننا لا نعرف أيضاً متى ألّف الشيخ محي الدين هذا الكتاب على وجه التحديد.

ولقد ذكرنا من قبل أن الشيخ محي الدين قال في مقدمة الترجمان أن كلَّ ما يذكره من أسماء ومديح وغزل في هذا الكتاب إنما هو إشارة إلى معان إلهية رفيعة. ويضيف الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن والتسعين من الفتوحات المكية أن ما يذكره في أشعاره، فيما يخص ترجمان الأشواق وغيره، فإنها كلها معارف إلهية في صور مختلفة من تشبيب ومديح وأسماء نساء وصفاتهن وأنهار وأماكن ونجوم.[770]

وأضاف في مقدمة شرحه للترجمان قائلا في وصفه لنظام:

ولولا النفوس الضعيفة السريعة الأمراض السيّئة الأغراض، لأخذتُ في شرح ما أودع الله تعالى في خلقها من الحسن، وفى خُلُقها الذي هو روضةُ المزنِ، شمسٌ بين العلماء، بستان بين الأدباء، حُقَّةٌ مختومة، واسطة عقدٍ منظومة، يتيمة دهرها، كريمة عصرها .. مسكنُها جيادٌ وبيتها من العينِ السوادُ ومن الصدر الفؤاد، أشرقت بها تهامة، وفتح الروض لمجاورتها أكمامه ... عليها مسحة مَلَكٍ وهمَّة مَلِكٍ ... فقلّدناها من نظمنا في هذا الكتاب (ترجمان الأشواق) أحسن القلائد بلسانِ النسيبِ الرائق وعبارات الغزل اللائق، ولم أبلغ في ذلك بعض ما تجده النفس من كريم ودِّها وقديم عهدِها ... إذ هي السُّؤْلُ والمأمول، والعذراءُ البتول، ولكن نظمنا فيها بعضَ خاطر الاشتياق، من تلك الذخائرِ والأعلاق ... فكلُّ اسمٍ أذكرُه في هذا الجزء فعنها أكنِّي، وكل دارٍ أندبها فدارها أعني. ولم أزل فيما نظمته في هذا الجزء على الإِيماء إلى الواردات الإلهية والتنزلات الروحانية والمناسبات العلوية، ولعِلمها رضي الله عنها بما إليه أشير، ولا ينبؤك مثل خبير، والله يعصم قارئ هذا الديوان من سبق خاطره إلى ما لا يليق بالنفوس الأبية والهمم العليّة المتعلقة بالأمور السمواية، آمين بعزّة من لا ربّ غيره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.[771]

ولقد أثار كتاب ترجمان الأشواق انتقادات كثيرة في ذلك الوقت، وخاصة من فقهاء حلب، مما اضطر ابن العربي أن يكتب عليه شرحاً سماه ذخائر الأعلاق كما سنذكر بعد قليل عند الحديث عن رجوعه إلى حلب.