شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.2.2.6 - تجلي سورة الإخلاص (حلب)

وفي مدينة حلب اطلع الشيخ محي الدين رضي الله عنه على منزل سورة الإخلاص وسرّ الإخلاص في الدين ولماذا سميت بهذا الاسم خصوصاً وقد خصّص الباب الخامس والأربعين وثلاثمائة من الفتوحات المكية لهذا الموضوع وسماه "في معرفة منزل سرّ الإخلاص في الدين وما هو الدين ولماذا سمي الشرع ديناً وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم الخير عادة[731]"، فقال إنه قد تجلت له هذه السورة بمدينة حلب وقيل له لما رآها: هذه سورة لم يطمثها إنس ولا جان، فرأى منه ميلاً عظيماً لها ومنها كذلك ميلاً عظيماً إلى جانبه، وقد مُثّلت له في شبه هذا المنزل الذي كان قد دخله قبل ذلك، ثم قيل له: هي خالصة لك من دون المؤمنين، ففهم الإشارة وعلم أنها ذاته وعين صورته لا غيره، فإنه ما لموجود شيءٌ مُخلَص له ليس لغيره قديمه وحديثه إلا ذاته خاصة، فقال "ها أنا ذا"، وعلم عند ذلك معنى التخليص وعلم ما تُلي عليه فيما أنزل عليه من القرآن[732]عند التلاوة لأنه لما نزل الإلهام بتلاوة سورة الإخلاص رُزق عين الفهم في تسميتها بهذا الاسم دون غيرها من السور؛ فإنها كلُّها نسبُ الله وصفته، وهي عين مجموع العالم، ففهم الإشارة بها في أن العالم مع كونه هو الحق المبين من حيث مجموعه لا من حيث جزء جزء منه؛ فتخلص النسب لله من حيث ذاته، فهذا المجموع هو في الحق عينٌ واحدةٌ وهو في العالم عين الحق المبين.[733]

وهكذا يؤكد الشيخ الأكبر أن كل شيء في العالم تميّز بصفة ما من الصفات المذكورة في سورة الإخلاص، ولكن الله وحده سبحانه قد تميّز بجميع هذه الصفات؛ فلم يشبهه شيء من خلقه، فخلّصت هذه السورة الحقَّ من التشبيه كما خلّصته من التنزيه، وهنا سرّ لطيف يقول عنه الشيخ الأكبر: فإذا فهمت ما أشرنا إليه فاعلم أن سرّ الإخلاص هو سرّ القدر الذي أَخفى الله علمه عن العالم لا بل عن أكثر العالم فميّز الأشياء بحدودها فهذا معنى سرّ القدر فإنه التوقيف عينه وبه تميّزت الأشياء وبه تميّز الخالق من المخلوق والمُحدَث من القديم فتميّز المُحدَث بنعتٍ ثابتٍ يُعلم ويُشهد وما تميّز القديم من المحدَث بنعتٍ ثبوتي يُعلم بل تميّز بسلب ما تميّز به المحدَث عنه لا غير، فهو المعلوم سبحانه المجهول فلا يُعلم إلا هو ولا يُجهل إلا هو فسبحان من كان العلم به عين الجهل به وكان الجهل به عين العلم به، وأعظم من هذا التمييز لا يكون ولا أوضح منه لمن عقل واستبصر.[734]