شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

4.6.10 - لقاؤه بالقطب أحمد ابن هارون الرشيد (مكة 599/1203)

لقد رأينا من قبل في الفصل الثاني أن الشيخ محي الدين كان عنده قوة رؤية الأرواح المتجسدة ومعرفتها وذلك من خلال ثلاث طرق ذكرها تلميذه صدر الدين القونوي.[608]ورأينا أيضاً كيف أنّ الشيخ محي الدين التقى بأشخاص قد ماتوا منذ زمن بعيد، منهم مثلا أبو عبد الرحمن السلمي صاحب كتاب طبقات الأولياء كما ذكرنا أعلاه والمتوفى سنة 421/1030. ومن ذلك يذكر الشيخ محي الدين عدة مرات في الفتوحات المكية أنه التقى بالقطب بالسبتي أحمد ابن هارون الرشيد في مكة سنة 599 أثناء الطواف حول الكعبة المشرّفة، وكان يوم جمعة. وكان أحمد بن هارون الرشيد يُلقّب بالسبتي لأنّه كان يعمل يوم السبت ويتفرّغ بقيّة الأيام للعبادة، فلذلك لُقّب السبتي وليس لأنه من مدينة سبتة في المغرب كما هو حال العديد من أصحاب الشيخ محي الدين الذين يلقبون أيضاً بالسبتي كما رأينا في الفصل الثاني وكذلك سنرى أدناه.

فيقول مثلاً أنه كان يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بمكة قد دخل الطواف فرأى رجلاً حسن الهيئة له هيبة ووقار وهو يطوف بالبيت أمامه. فصرف نظره إليه عسى أن يعرفه فما عرفه في المجاورين ولم يرَ عليه علامة قادمٍ من سفر لِما كان عليه من الغضاضة والنضارة. ثم يقول إنه رآه يمرّ بين الرجلين المتلاصقين في الطواف ويعبر بينهما ولا يفصل بينهما ولا يشعران به! فصار يتتبع بأقدامه مواضع وطأة أقدامه ما يرفع قدماً إلا وضع قدمه في موضعها وهو مركّز ذهنه إليه وبصره معه حتى لا يفوته، فيقول الشيخ محي الدين أنه أصبح هو نفسه كذلك يمرّ بالرجلين المتلاصقين اللذين يمرّ هو بينهما فيجوزهما في أثره كما يجوزهما ولا يفصل بينهما، فتعجب الشيخ من ذلك. ولما أكمل هذا الشخص أسبوعه (أي أشواطه السبعة) وأراد الخروج مسكه الشيخ محي الدين وسلم عليه فردّ عليه السلام وتبسّم له، والشيخ لا يصرف نظره عنه مخافة أن يفوته لأنه ما كان يشكّ فيه أنه روح تجسّد، ويعلم الشيخ الأكبر أن البصر يقيّده.[609]

فقال له الشيخ محي الدين: إني أعلم أنك روح متجسّد! فقال: صدقت. فقال له الشيخ: فمن أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا السبتي بن هارون الرشيد. فقال له الشيخ: أريد أن أسألك عن حالٍ كنت عليه في أيام حياتك في الدنيا. قال: قُل. فسأله ابن العربي: بلغني أنك ما سُمّيت السبتي إلا لكونك كنت تحترف كلّ سبتٍ بقدر ما تأكله في بقيّة الأسبوع. فقال: الذي بلغك صحيح، كذلك كان الأمر. فقال الشيخ: فلِم خصصت يوم السبت دون غيره من الأيام أيام الأسبوع؟ فقال: نِعم ما سألت، ثم قال في الردّ: بلغني أن الله ابتدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة فلمّا كان يوم السبت استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال أنا الملك، هذا بلغني في الأخبار وأنا في الحياة الدنيا، فقلت والله لأعملنّ على هذا؛ فتفرّغت لعبادة الله من يوم الأحد إلى آخر الستة أيام لا أشتغل بشيء إلا بعبادته تعالى وأقول أنه تعالى كما اعتنى بنا في هذه الأيام الستة فأنا أتفرّغ إلى عبادته فيها ولا أمزجها بشغل نفسي. فإذا كان يوم السبت أتفرّغ لنفسي ما تحصل لها ما يَقوتها في باقي الأسبوع، كما روينا من إلقاء إحدى رجليه على الأخرى وقوله أنا الملك … الحديث، وفتح الله لي في ذلك. فقال له الشيخ محي الدين: من كان قطب الزمان في وقتك؟ فقال: أنا ولا فخر. فقال له الشيخ: كذلك وقع لي التعريف. قال: صدقك من عرّفك، ثم قال له عن أمرك (يريد المفارقة). فقال له الشيخ محي الدين: ذلك إليك، فسلّم عليه سلام محبّ وانصرف.

ثم يضيف الشيخ محي الدين أنه كان بعض أصحابه والجماعة في انتظاره لكونهم كانوا يدرسون معه إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله، فلما فرغ من ركعتي الطواف جاء إليهم، فقال له بعضهم وهو نبيل بن خزر بن خزرون السبتي (من أهل سبتة) رأيناك تكلّم رجلاً غريباً حسن الوجه وسيماً لا نعرفه في المجاورين من كان ومتى جاء؟ فيقول الشيخ محي الدين أنه سكت ولم يخبرهم بشيء من شأنه إلا بعض إخوانه فإنه أخبرهم بقصته فتعجبوا لذلك.[610]

وفي مكان آخر في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية يقول الشيخ محي الدين أثناء ذكره لرجال العدد الذين تكلمنا عليهم من قبل أن منهم رضي الله عنهم ستة في كلّ زمان لا يزيدون ولا ينقصون وكان منهم السبتي ابن هارون الرشيد الذي تجسّد له روحه في الطواف حسّاً كما تجسّد جبريل في صورة أعرابي.[611] ثم يقول ابن العربي أن هؤلاء الرجال الستة هم رجال الأيام الستة التي خلق الله فيها العالم ولهم سلطان على الجهات الستّ التي ظهرت بوجود الإنسان. وكان منهم أيضاً رجلٌ من أهل أرزن الروم كان الشيخ محي الدين رضي الله عنه يعرفه واجتمع به في دمشق وفي سيواس وفي مالطة وفي قيصرية وكان له والدة كان برّا بها كثيرا.[612]