شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.8.2 - رفض دعوة السلطان(سبتة، 595/1198)

ويذكر الشيخ محي الدين قصة حصلت له في سبتة مع صاحبيه الشيخ عبد الله المالقي والشيخ إبراهيم ابن طريف وتدل هذه القصة بوضوح على اهتمام سلاطين الأندلس به كما أسلفنا في بداية الفصل الثاني رغم أنه هو لم يكن يأبه بهم بل وكان ينتقدهم بوضوح.

يذكر ابن العربي أنه كان بمدينة سبتة ومع ابن طريف وعبد الله المالقي، فكان أن وجّه له السلطان أبو العلاء طعاما مرتين ولم يكن هو حاضراً فأخذهما الفقراء الذين كانوا وصلوا إلى الموضع من أجل استقباله، أما خواص أصحابه فإنهم أحجموا عن أكل هذه الأعطية. ثم في الليلة الثانية وجّه إليهم السلطان كذلك مرتين فلم يقبل الشيخ محي الدين وكان بعض الفقراء قد أتوا إليهم بالقصد لمّا سمعوا أن السلطان يبعث إليهم. فأقام ابن العربي صلاة العشاء وصلى، فقال بعض الفقراء "لا صلاة بحضرة طعام" فلم يجبه الشيخ الأكبر، فغضب ذلك الشخص، فقال ابن العربي: "أنا لم أقبل ذلك الطعام ولا أرى أن آكله فإنه عندي حرام، ولا يمكن لي أن آمركم بأكله فإني أحب لكم ما أحب لنفسي." ثم بيّن لهم وجه الحرام فيه، ثم قال: "هذا طعام حاضر من استحلّه أكله ومن لم يستحلّه تركه"، ودخل إلى البيت الذي كان فيه وأدخل معه خواص أصحابه. فلما أصبح مشى ذلك الشخص ووشى بالشيخ الأكبر عند الوزراء بأنه يقول فيهم أنهم أهل حرام وغير ذلك. فاغتاظ الوزير وقال: "إن السيّد واللهِ هو الذي يتناول توجيه ذلك الطعام بنفسه وقام لذلك وقعد!" فوصلت المسألة إلى السلطان وكان عاقلا فقال: "نحن ما قصدنا إلا الخير وهو أعرف بحاله لا نُدخل عليه مضرّة ولا ما يسوؤه، ولم يُعر لهذه المسألة بالا.

ثم بلغ الخبر إلى صاحبه عبد الله المالقي فاجتمع بالشيخ الأكبر وخاف عليه وعلى أصحابه لأنه يعرف هذه البلاد وأهلها، وعاتبه على ذلك وقال له: "هذا في حق نفسك حسن، غير أن المضرة تنسحب فيه على الطائفة وهؤلاء القوم ما يحتملون مثل هذا، وقد قال بعضهم ذلّ من ليس له ظالم يعضده وضلّ من ليس له عالم يرشده." (وهو يقول ذلك من مقام الفتوة كما يبدو) فلمّا رأى الشيخ محي الدين أن الرحمة غلبت عليه في حق الناس وتشديد الأمور والأخذ بالأرجح في المصلحة الدنيوية قال له: "بئس العبد لله يستند إلى عدوّ الله، لا راعى الله العالم إذا لم يُراعوا حق الله، الله أحق." ونفض الشيخ الأكبر يده وقام فانصرف، فلقي ابن طريف وقد علم بالخبر، فقال له: "السياسة أولى"، فقال الشيخ الأكبر: "ما دام رأس المال محفوظا"، (يعني الدين)، فسكت الشيخ ابن طريف.[479]