شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.7.4 - الأوتاد (ابن جعدون الحناوي)

لقد تكلمنا عن رجال العدد وذكرنا منهم القطب والإمامين والأوتاد والأبدال في الفصل الثاني، فيقول الشيخ محي الدين أنه رأى منهم شخصاً بمدينة فاس يقال له ابن جعدون وكان ينخل الحناء بالأجرة.[445]

ويبدو أن ذلك كان أول قدوم الشيخ محي الدين إلى فاس في هذه المرة، إذ يبدو أن بعض الناس كانوا ينتظرونه مما سمعوا عنه مع أنهم لا يعرفونه وذلك أنه لما وصل مدينة فاس كان ذكره قد بلغ من بها فأحبوا الاجتماع به ولكنه كان يفرّ من الدار إلى الجامع فعندما لا يجدونه في الدار يطلبونه في الجامع فمرة جاؤوا إليه وهم لا يعرفونه وهو يراهم فأتوه وسألوه عنه فقال لهم: اطلبوه حتى تجدوه، وكان هو قاعد وعليه ثياب رفيعة جدا، وإذا بهذا الشيخ قد قعد بين يديه ولم يكن يعرفه من قبل ذلك، فقال له السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام. ففتح الشيخ ابن جعدون كتاب "شرح المعرفة" للمحاسبي فقرأ منه كلمات ثم قال له اشرح وبيّن ما قال! فيقول الشيخ محي الدين أنه حينئذ خوطب بسره بأحواله ومن هو ومقامه وأنه من الأوتاد الأربعة وأن ابنه يرث مقامه، فقال له: عرفتك فأنت فلان، فأغلق كتابه وقام واقفا وقال للشيخ ابن العربي: الستر الستر إني أحبك فأحببت أن أتعرف إليك، فقد تم المقصود. ثم انصرف فلم يكن الشيخ محي الدين يجالسه قط إلا إذا لم يكن معهما أحد. ويقول عنه أنه كان معقود اللسان لا يتكلم إلا عن مشقة فإذا تلا القرآن كان من أحسن الناس صوتا وأبدعهم مساقا. وكان كثير الاجتهاد وكان ينخل الحنّا بالأجرة، قلّ ما تراه إلا مكحول العينين أشعث أغبر. وإنما كان يكحل عينيه من أجل غبار الحنّا.[446]

ويضيف الشيخ محي الدين أن ابن جعدون الحناوي رضي الله عنه سأل الله تعالى أن يُسقط حرمته من قلوب العالم فكان إذا غاب لم يفتقد وإذا حضر لم يستشر وإذا جاء لا يوسع له وإذا تكلم بين قوم ضُرب وسخّف. مات بفاس سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقد جمع ابن العربي بينه وبين صاحبه عبد الله الحبشي كما يفعل مع جميع شيوخه وأصحابه.[447]

وهؤلاء الأوتاد الأربعة الذين منهم الشيخ ابن جعدون الحناوي كما يقول الشيخ محي الدين ابن العربي، بهم يحفظ الله الجهات فواحد للمشرق وولايته فيه والآخر المغرب والآخر الجنوب والآخر الشمال والتقسيم من الكعبة. وهؤلاء قد يُعبّر عنهم بالجبال لقوله تعالى في سورة النبأ: [b]((أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا [6] وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [7]))[/b]، فإنه بالجبال سكن ميد الأرض كذلك حكم هؤلاء في العالم حكم الجبال في الأرض وإلى مقامهم الإشارة بقوله تعالى عن إبليس في سورة الأعراف:[b]((ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [17]))[/b]، فيحفظ الله بالأوتاد هذه الجهات وهم محفوظون من هذه الجهات فليس للشيطان عليهم سلطان إذ لا دخول له على بني آدم إلا من هذه الجهات، وألقابهم عبد الحي وعبد العليم وعبد القادر وعبد المريد.[448]ولقد تكلمنا من قبل في الفصل الثاني عن الأوتاد وتشبيههم بالجبال عندما ذكرنا علاقة الشيخ محي الدين مع شيخه أبي العباس العريبي.