شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.4.3.2 - ذكر الله

وكان الشيخ العريبي يذكر الله تعالى بالاسم الجامع وهو لفظ الجلالة "الله" كما يفعل معظم الصوفية. وهذه نقطة استغلها أكثر المنكرين عليهم محتجّين بحديث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله."[198]والحديث الآخر: "خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير."[199]وهذه الأحاديث الصحيحة لا تعني أن الذكر بلفظ الجلالة غير جائز! وليس من المهم أيهما أفضل، فمع أن الذكر بالتهليل أفضل من الذكر بالتحميد أو التكبير، كما يُفهم من نصّ الحديث، فلا يعني هذا أن الذكر بالتحميد أو التكبير أو غيرهما غير جائز. ولكن مع ذلك فإن الذكر بلفظ الجلالة هو خيرُ وسيلةٍ لاستحضار عظمة الله سبحانه وتعالى في نفس الصوفي وهو معنى الذكر الحقيقي، أي أنّه يبقى ذاكراً لله ومستحضراً عظمته في قلبه حتى تخمد نفسُه وتزول رعونتها. والصوفي يعلم يقيناً أنه لا إله إلا الله، فهو لا يحتاج أن يردّدها كثيراً كما يفعل مع لفظ الجلالة من أجل استحضار عظمة الله تعالى ودوام ذلك في ذاكرته.

ولا أدري لماذا يجادل بعض الناس في أنواع الذكر ويرفض الذكر بلفظ الجلالة أو غيره من الأسماء الإلهية، والله سبحانه يقول بشكل واضح في سورة المزّمل موجّهاً الأمر لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم: [b]((وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [8]))[/b]، فاسم ربّنا وربّ محمّد هو الله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فيجب أن نذكر اسم الله ونتبتّل إليه تبتيلاً، أي ننقطع إليه انقطاعاً كليّاً، وهذا هو معنى التصوّف الصحيح.

وفي هذا الخصوص سأل الشيخ محي الدين شيخان من شيوخ التصوف أحدهما شيخه العريبي عن سبب تركيزه على الذكر بلفظ الجلالة فأعطاه جواباً رائعاً، ينمّ عن حضور حادّ وعن إدراكٍ عميق لقدرة الله عزّ وجلّ الذي بيده الخلق والأمر وبيده أنفاس العباد في كل آن:

دخلت على شيخنا أبي العباس العريبي من أهل العلياء وكان مستهترا[200]بذكر الاسم "الله" لا يزيد عليه شيئا. فقلت ‏له: يا سيدي لم لا تقول "لا إله إلا الله"؟ فقال لي: يا ولدي الأنفاس بيد الله ما هي بيدي، فأخاف أن يقبض الله روحي ‏عندما أقول "لا إله" فأُقبض في وحشة النفي. وسألت شيخا آخر عن ذلك فقال لي: ما رأت عيني ولا سمعت أذني من ‏يقول أنا الله غير الله، فلم أجد من أنفي.[201]

وربما كان بفضل هذا الذكر أن الشيخ العريبي كان من الراسخين في منزل الذكر من العالم العلوي كما ذكره الشيخ الأكبر في الباب الثامن والتسعين ومائتين في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية، فقال في أول هذا الباب: "اعلم وفقك الله أن شيخنا أبا العباس العريبي كان ممّن تحقّق بهذا المنزل وفاوضناه فيه مراراً فكانت قدمه فيه راسخة رحمه الله."[202]