شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

6.4.12 - الملائكة أفضل أم بني آدم (دمشق، 20 ربيع الأول 624/1227)

اختلف الفقهاء والعلماء في تفضيل الملائكة على الناس، ويذهب أكثرهم إلى أن فُضلاء الناس أفضل من فُضلاء الملائكة، وقد فصّل هذه المسألة السيوطي في كتاب "الحبائك في أخبار الملائك" فقال إن جمهور العلماء يجمع على أن الأنبياء أفضل من الملائكة في حين أن المعتزلة تقول أن الملائكة أفضل، واختار بعض العلماء الوقف في ذلك. ثم يقول السيوطي أن محل الخلاف في غير نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أما هو فأفضل الخلق بلا خلاف، لا يفضُل عليه ملك مقرّب ولا غيره. وينقل السيوطي ذلك عن الشيخ تاج الدين بن السبكي في "منع الموانع"، والشيخ سراج الدين البلقيني في "منهج الأصلين"، والشيخ بدر الدين الزركشي في "شرح جمع الجوامع"، وقد نقل الإمام فخر الدين الرازي الإجماع على ذلك في "التفسير الكبير" أيضاً. أما بخصوص التفضيل بين خواص الملائكة، والأولياء من الناس من غير الأنبياء، فقد نقل الشيخ سعد الدين التفتازاني في "شرح العقائد" الإجماع على تفضيل الملائكة، ولكن بعض الحنابلة فضّلوا الأولياء على خواص الملائكة. واختلف العلماء أيضاً في تفضيل الأولياء على غير الخواص من الملائكة على فرق شتى.[839]

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن صالحي بني آدم أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور، لأن الإنسان يظهر فضله عند كمال أحواله في الآخرة والملك يتشابه أول أمره وآخره، وقال: "من هنا غلط من فضّل الملائكة على الأنبياء حيث نظر إلى أحوال الأنبياء وهم في أثناء الأحوال، قبل أن يصلوا إلى ما وُعدوا به في الدار الآخرة من نهايات الكمال."[840]

أما الشيخ محي الدين ابن العربي فيجزم أن الملائكة أفضل من الناس على الإطلاق، ويستشهد بقيام النبي صلى الله عليهم وسلم عندما رأى جنازة يهودي، فقيل له أنها جنازة يهودي، فقال: "أليس معها الملك"! فكان قيامه مع الملك قيام المفضول للفاضل "عندنا وعند من يرى أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق".[841]

ثم يذكر الشيخ محي الدين رضي الله عنه في مواضع كثيرة أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مبشّرة فسأله عن هذه المسألة فقال له أن الملائكة أفضل، فقال له ابن العربي: "يا رسول الله فان سئلت ما الدليل على ذلك فما أقول؟" فأشار إليه أن قد علمتم أني أفضل الناس، والله تعالى يقول في الحديث الصحيح: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم"،[842]وكم ذاكر لله تعالى فذكره الله في ملأٍ خيرٍ من ذلك الملأ الذي أنا فيهم. فيقول الشيخ محي الدين: "فما سُررت بشيءٍ سروري بهذه المسألة، فإنه كان على قلبي منها كثير". ويضيف الشيخ الأكبر أنه يمكن استنتاج ذلك أيضاً من تدبّر قوله تعالى في سورة الأحزاب:[b]((... هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... [43]))[/b].[843]

وهذه الرؤيا التي ذكرها الشيخ محي الدين رضي الله عنه في الفتوحات المكية أكثر من مرة، أنه رأى فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسأله فيها عن فضل الملائكة، كانت في دمشق في 20 ربيع الأول سنة 624، كما ذكر في كتاب المبشرات.

وبالتالي فإنّ ابن العربي يخالف في هذا الرأي أكثر المذاهب ولكنّه يوافق المعتزلة الذين عادة ما ينتقدهم كثيراً. ولكن تجدر الإشارة إلى أن قولنا أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق لا يعني أن كلّ الملائكة أفضل من كلّ البشر، وإنّما كما يتفاضل البشر تتفاضل الملائكة، فالفاضل من الملائكة خير من الفاضل من البشر وهو خير من المفضول من الملائكة، والله أعلم.

وقد تكلّم الشيخ محي الدين عن أنواع الملائكة في الفتوحات المكية[844]وكذلك في كتاب إنشاء الدوائر.