شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

6.4.9 - التعليم عن بعد (دمشق)

كما أن التكنولوجيا الحديثة بدأت تكسر الحواجز وتتخطى حصار المكان فأصبحت طرق الاتصال تكاد تفوق حدود الخيال، كذلك قد كسر الصوفية هذه الحواجز منذ زمن بعيد حيث كانوا يتواصلون بشكل آني رغم بعد المسافات وعدم وجود طرق الاتصالات. وقد بدأ العلم الحديث يكتشف إمكانية وجود هذا النوع من الاتصال عن بعد وهو ما يسمى في علم ما وراء النفس (الباراسيكولوجيا) بالاتصال عن بعد (التيليباثي) وما شابه ذلك من الظواهر التي لم يستطع العلم فكّ ألغازها رغم أنه أثبت وجودها. فكذلك رأينا في الفصل الثاني كيف كان الشيخ محي الدين يلتقي بالشيخ أبي مدين وبعض مريديه من الأبدال، وكذلك بمن فارق الحياة منذ زمن أمثال أحمد بن هارون السبتي وأبي عبد الرحمن السلمي وغيرهم كما ذكرنا في الفصل الرابع.

وفي دمشق أيضاً كان للشيخ محي الدين رضي الله عنه تجربة فريدة من هذا النوع حيث يقول في الباب الأحد والسبعين وثلاثمائة أنه في ليلة تقييده لبعض ما كان يكتبه في هذا الباب أراه الحق في واقعته رجلاً ربع القامة فيه شقرة فقعد بين يديه وهو ساكت فقال له الحق: هذا عبدٌ من عبادنا أفِده ليكون هذا في ميزانك. فقال الشيخ محي الدين: من هو؟ فقال له الحق: هذا أبو العباس بن جودي، من ساكني البشرّات،[832] فقال الشيخ محي الدين: يا رب، وكيف يستفيد مني وأين أنا منه؟ فقال له الحق: قل فإنه يستفيد منك، فكما أريتك إيّاه أريتُه إيّاك، فهو الآن يراك كما تراه فخاطبه يسمع منك، ويقول مثل ما تقول أنت؛ يقول أُريت رجلاً بالشام يقال له محمد ابن العربي، وأفادني أمراً لم يكن عندي فهو أستاذي.

فعندئذ قال الشيخ محي الدين لذلك الرجل: يا أبا العباس ما الأمر؟ قال: كنت أجهد في الطلب وأنصب وأبذل جهدي فلما كُشف لي علمت أني مطلوب فاسترحت من ذلك الكدّ! فقال له الشيخ: يا أخي من كان خيراً منك وأوصلَ بالحق وأتمَّ بالشهود وأكشفَ للأمر قيل له: "وقل رب زدني علماً"، فأين الراحة في دار التكليف! ما فهمت ما قيل لك، قولك: "علمت أني مطلوب" ولم تدر بماذا! نعم أنت مطلوب بما كنت عليه من الاجتهاد والجدّ، فما هذه الدار دار راحة، فإذا فرغت من أمرٍ أنت فيه فانصب في أمرٍ يأتيك في كل نَفَس، فأين الفراغ؟

فحينئذ تذكّر أبو العباس وشكر الشيخ محي الدين على ذلك.[833]