شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

6.4.6 - أنواع البهاليل

وفي نفس الباب الرابع والأربعين ذكر الشيخ رضي الله عنه أنّ هؤلاء البهاليل كبهلول وسعدون من المتقدّمين وأبي وهب الفاضل وأمثالهم: منهم المسرور ومنهم المحزون؛ وهم في ذلك بحسب الوارد الأوّل الذي ذهب بعقولهم، فإن كان واردَ قهرٍ قبضهم كيعقوب الكوراني الذي كان بالجسر الأبيض (في دمشق) رآه الشيخ وكان على هذا القدم، وكذلك مسعود الحبشي رآه الشيخ بدمشق أيضاً كما ذكرنا أعلاه وكان ممتزجا بين القبض والبسط والغالب عليه البهت. وإن كان الوارد الذي ذهب بعقولهم واردَ لطفٍ بسطهم فكانوا من المسرورين، وقد رأى الشيخ من هذا الصنف جماعة أيضاً (من غير أن يحدد المكان) كأبي الحجاج الغليريّ وأبي الحسن عليّ السلاوي.

ثم يضيف الشيخ محي الدين أن الناس لا يعرفون ما ذهب بعقول هؤلاء المجانين فشغلهم عن تدبير نفوسهم، فسخّر الله لهم الخلق فهم مشتغلون بمصالحهم عن طيبِ نفسٍ؛ فأشهى ما إلى الناس أن يأكل واحد من هؤلاء عنده أو يقبل منه ثوباً، وذلك تسخير إلهي. فيقول الشيخ الأكبر أن الله جمع لهؤلاء المجانين بين الراحتين حيث يأكلون ما يشتهون ولا يُحاسبون ولا يُسألون، وجعل الله لهم القبول في قلوب الخلق والمحبة والعطف عليهم واستراحوا من التكليف، ولهم عند الله أجرُ من أحسن عملا في مدّة أعمارهم التي ذهبت بغير عمل، لأنه سبحانه هو الذي أخذهم إليه فحفظ عليهم نتائج الأعمال التي لو لم يذهب بعقولهم لعملوها من الخير، كمن بات نائماً على وضوء وفي نفسه أن يقوم من الليل يصلي فيأخذ الله بروحه فينام حتى يصبح، فإن الله يكتب له أجر من قام ليله لأنه هو الذي حبسه عنده في حال نومه، فالمخاطب بالتكليف منهم وهو روحهم غائب في شهود الحق الذي ظهر سلطانه فيهم فما لهم أُذن واعية لحفظ السماع من خارج وتعقّل ما جاء به.