شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

6.2.5 - الحب المجهول

مع أننا لا ندري التاريخ بدقة، ولكن الشيخ محي الدين يقول إنه أوّل ما دخل إلى الشام وجد في نفسه حبّاً مجهولاً لا يعرف سببه ولا متعلقه، وذلك أن النفوس لها استشراف على الغيب فتعشق شيئاً أو شخصاً لم تره قط في الواقع ثم تراه بعد وقت فتتعلق به وتعرف أن الحب الذي كانت تُكنّه هو لهذا الشخص أو لهذا الشيء وهي لا تدري.

فيقول الشيخ محي الدين أن ذلك من ألطف ما وجده في الحب وهو أن تجد عشقاً مفرطاً وهوىً وشوقاً مقلقاً وغراماً ونحولاً وامتناع نوم ولذة بطعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعيّن لك محبوبك. ثم بعد ذلك بالاتفاق إما يبدو لك تجلّ في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصاً فيتعلق ذلك الوجد الذي تجده به عند رؤيته فتعلم أن ذلك كان محبوبك وأنت لا تشعر، أو يُذكر لك شخص فتجد الميل إليه بذلك الهوى الذي عندك فتعلم أنه صاحبك.

ويقول الشيخ محي الدين أن هذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب؛ فتجهل حالها ولا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هيّمها. ثم يقول الشيخ الأكبر أن ذلك هو سبب القبض والبسط الذي يجده الناس ولا يعرفون له سبباً، فبعد ذلك يأتيه ما يحزنه فيعرف أن ذلك القبض كان لهذا الأمر، أو يأتيه ما يسرّه فيعرف أن ذلك البسط كان لهذا الأمر؛ وذلك كلّه من قبيل الاستشراف على الأمور من قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات التكوين، ويشبه ذلك أخذَ الميثاق كما قال الله تعالى في سورة الأعراف: [b]((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [172]))[/b]، فلم يقدر أحد على إنكاره بعد ذلك؛ فتجد في فطرة كلّ إنسان افتقاراً لموجودٍ يستند إليه وهو الله ولا يشعر به، ولهذا قال الله تعالى في سورة فاطر: [b]((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [15]))[/b].

فكان الشيخ محي الدين يكنّ في نفسه حبّا عميقا للشام وما فيها حيث يقول إنه وجد ميلاً مجهولاً مدة طويلة لحقيقة إلهية متخيلة في صورة جسدية فقال يخاطبها في ذلك بالحال ولسانه:[813]

أقول وعندي من هواك الذي عندي
ولما دخلت الشام خولطت في عقلي
عشقت وما أدري الذي قد عشقته
ولا سمعت أذناي قط بذكره
فجُبت بلاد الله شرقاً ومغرب

مقالة من قال الحبيب له قل لي
فلم أر قبلي في الهوى عاشقاً مثلي
أخالقي المحبوب أم هو من شكلي
فهل قال هذا عاشق غيرنا قبلي
لعلي أرى شخصاً يوافقني علّى

ثمّ في بقيّة القصيدة ألغز الشيخ محي الدين اسم حبيبه ولم يصرّح به لأنّه قال إن هذا من العلم المضاف إلى البخل، أي الذي لا يجوز التصريح به، ولكنّه أعطى بعض المفاتيح التي تعتمد على أسرار الحروف التي ذكرها في الباب الثاني من الفتوحات المكية ببعض التفصيل وكذلك في كتب أخرى أشار إليها مثل كتاب "المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات".[814]