شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

5.1.6.2 - قضيب البان

ومن الشيوخ الذين يذكرهم الشيخ محي الدين عن فترة وجوده في الموصل شيخٌ يعرف باسم قضيب البان. وعبد الله قضيب البان كان له القدرة على التروحن والتشكل في صور مختلفة كما يشاء من صور بني آدم أمثاله وفي صور الحيوانات والنبات والحجر وقد وقع ذلك منه، فيقول ابن العربي أن في قوة الإنسان ما ليس في قوة عالَم الغيب فإن في قوة الإنسان من حيث روحه التمثل في غير صورته في عالم الشهادة.[653]

وكذلك فقد كان قضيب البان عنده قدرة الفعل بالهمة الذي ذكرناه في الفصل الثاني، وهو أمر عام في الآخرة ولكنه نادر في الدنيا، إلا أنه موجود في الدنيا لأن الله تعالى أبدع العالم ووضع فيه كل مراتب الكمال. فكما يقول الإمام أبي حامد أنه ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه ليس أكمل من الصورة التي خُلق عليها الإنسان الكامل، فلو كان لكان في العالم ما هو أكمل من الصورة التي هي للحضرة الإلهية. ولكن ابن العربي يقول إن الفعل بالهمة في الدنيا ليس لكلّ أحد وإنما قد يكون في الدنيا لغير الولي كصاحب العين والغرانية بأفريقية، ولكن ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمة في الدار الآخرة وهو في الدار الدنيا نادر شاذ كقضيب البان وغيره وهو في الدار الآخرة للجميع، في الجنة وفي النار، كما ذكرنا في الفصل الثاني.[654]

ومن كرامات قضيب البان أيضاً أنه كان له القدرة على تدبير أكثر من جسم في نفس الوقت فإن الروح الواحد يدبر أجساماً متعددة إذا كان له الاقتدار على ذلك، ويكون ذلك في الدنيا للولي بخرق العادة وفي الآخرة أيضاً، فإن نشأة الإنسان تعطي ذلك. فكان قضيب البان ممّن له هذه القوّة وكذلك ذو النون المصريّ. فكما يدبّر الروح الواحد سائر أعضاء البدن من يدٍ ورجلٍ وسمعٍ وبصرٍ وغيرِ ذلك كما تؤاخذ النفس بأفعال الجوارح على ما يقع منها كذلك الأجساد الكثيرة التي يدبّرها روح واحد أيّ شيء وقع منها يسأل عنه ذلك الروح الواحد وإن كان عين ما يقع من هذا الجسم من الفعل مثل ما يقع من الجسم الآخر فيكون ما يلزمه من المؤاخذة على فعل أحد الجسمين يلزمه على فعل الآخر وإن كان مثله.[655]

ويقول الشيخ محي الدين أيضاً أنه كان يوحَى إلى قضيب البان كتابة على الورق؛ فالوحي على ضروب شتى فمنه ما يكون مُتلقّى بالخيال كالمبشّرات في عالم الخيال وهو الوحي في النوم، فالمتلقي خيال والنازل كذلك والوحي كذلك، ومنه ما يكون خيالاً في حسّ على ذي حسّ، ومنه ما يكون معنى يجده الموحى إليه في نفسه من غير تعلّق حسّ ولا خيال بمن نزل به، وقد يكون كتابة. فيقول ابن العربي أن ذلك يقع ذلك كثيراً للأولياء وبه كان يوحى لأبي عبد الله قضيب البان ولأبي زكريا البجائي بالمعرة بدير النقرة ولبقي بن مخلد تلميذ أحمد بن حنبل صاحب المسند، ولكن كان أضعف الجماعة في ذلك فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوباً في ورقة.[656]ولا يقصد بالوحي هنا وحي الأنبياء الذي يأتيهم به جبريل عليه السلام ليسنّوا الشرائع لله تعالى، وإنما هو وحي الإلهام الذي يعطي العلم الكشفي الذوقي، لأن نبوة التشريع قد انقطعت بعد محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولكن النبوة العامة لم تنقطع.