شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.2.4 - مقام الشيخ أبي مدين ومرتبته

ويقول الشيخ الأكبر عن الشيخ أبي مدين أنه هو أحد الإمامين،[322]فقال في أثناء حديثه عن مقام المُلك:

ومن أقطاب هذا المقام ممن كان قبلنا محمد ابن علي الترمذي الحكيم ومن شيوخنا أبو مدين رحمه الله وكان يُعرف في العالم العلوي بأبي النجا، وبه هكذا يسمونه الروحانيون. وكان يقول رضي الله عنه سورتي من القرآن: تبارك الذي بيده الملك، ومن أجل هذا كنا نقول فيه أنه أحد الإمامين لأن هذا هو مقام الإمام.[323]

وكذلك كانت مرتبة الشيخ أبي مدين عالية بين الأولياء وكان محبوبا من الجميع مع أن بعض الناس كان يحاول الإيقاع به وقتله، وكان معروفا في العالم العلوي، كما يروي له الشيخ يوسف ابن يخلف الكومي سنة 586، وربما كان هذا ما دعا الشيخ محي الدين للرغبة في زيارته:

أخبرني يوسف ابن يخلف الكومي من أكبر من لقيناه في هذا الطريق سنة ست وثمانين وخمسمائة رحمه الله قال أخبرني موسى السيدراني وكان من الأبدال المحمولين قال: لما مشيت أنا ورفيقي إلى الجبل المسمى قاف وهو جبل محيط بالبحر المحيط بالأرض وقد خلق الله حية على شاطئ ذلك البحر والجبل دارت بجسمها بالبحر المحيط إلى أن اجتمع رأسها بذنبها فوقفنا عندها فقال لي صاحبي سلم عليها فإنها ترد عليك. قال موسى فسلمت عليها فقالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قالت لي كيف حال الشيخ أبي مدين، وكان أبو مدين ببجاية في ذلك الوقت، فقلت لها تركته في عافية، وما علمك به؟ فتعجبت وقالت وهل على وجه الأرض أحد لا يحبه ويجهله؟ إنه والله مذ اتخذه الله ولياً نادى به في ذواتنا وأنول محبته إلى الأرض في قلوبنا فما من حجر ولا مدر ولا شجر ولا حيوان إلا وهو يعرفه ويحبه. فقلت لها والله لقد ثم أناس يريدون قتله لجهلهم به وبغضهم فيه. فقالت ما علمت أن أحداً يكون على هذه الحال فيمن أحبه الله.[324]

وكذلك يقول الشيخ الأكبر أن الشيخ أبا مدين هو من "الرجال الظاهرين بأمر الله عن أمر الله"، وهم من رجال العدد[325]وعددهم ثمانية عشر نفساً لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، ظهورهم بالله قائمون بحقوق الله مثبتون الأسباب، خرق العادات عندهم عادة، آيتهم [b]((قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ))[/b] [الأنعام - 91]، وأيضاً [b]((ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارً))[/b][نوح - 8]. فكان منهم أبو مدين؛ وكان يقول لأصحابه: "أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يَظهر الناس بالمخالفة، واظهروا بما أعطاكم الله من نعمه الظاهرة، يعني خرق العوائد، والباطنة، يعني المعارف، فإن الله يقول:[b]((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))[/b][الضحى - 11] وقال عليه السلام: "التحدّث بالنعم شكر". وكان يقول أيضاً بلسان أهل هذا المقام: [b]((أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))[/b][الأنعام - 40].[326]

ويقول الشيخ الأكبر أيضاً أن الشيخ أبا مدين رحمه الله كان إذا جاءه مأكول طيّب أكله وإذا جاءه مأكول خشن أكله، أما إذا جاع وجاءه نقد علم أن الله قد خيّره؛ فإذا أراد أن يطعمه أيّ صنف شاء من المأكولات جاء به إليه، فيقول: هذا النقد ثمن المأكول جاء به الله للتخيير والاختبار، فينظر في ذلك الوقت ما هو الأحب إلى الله من المأكولات بالنظر إلى صالح المزاج للعبادة لا إلى الغرض النفسي واتباع الشهوة، فإن وافقه كلّ مأكول حينئذ يرجع إلى موطن الدنيا وما ينبغي أن يعامل به من الزهد في ملذوذاتها مع صلاح المزاج الذي تقوم بصلاحه العبادة المشروعة، فيعدل بحكم الموطن إلى شظف العيش الذي تكرهه النفس لعدم اللذة به بلذة الحاجة فإنه يتناوله عند الضرورة؛ فإنّ لذّة الضرورة ما فوقها لذّة لأن الطبع يطلبها وإذا حصل للطبع طلبه التذّ به.[327]