شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

0.3.5 - اختلاف الناس حوله

ولكننا مع ذلك نرى أن الكثير من المسلمين وحتى العلماء منهم لم يستطيعوا استيعاب ما جاء به الشيخ الأكبر لأنهم لم يقدروا أن يغوصوا في بحار كتبه فرفضوها من أول وهلة من غير أن يعيروها الاهتمام اللازم. وكثيراً ما نقلوا عنه أقوالاً مدسوسةً أو منقوصةً من غير أن يتبيّنوا أصلها ومصدرها أو قصده وغايته، حتى رموه بالفساد وبالكفر وحرّموا قراءة كتبه وكفّروا من يعتقد به وحتى من لا يكفّره.

وربما كان ذلك من رحمة الله تعالى بالمسلمين أن سخّر لهم من يصدهم عن الخوض في كتب الشيخ الأكبر ورفض كلامه! حيث أن بعض الناس لا يستطيع الصمود والخوض في مثل هذه العلوم العميقة التي لا يجوز أن تُقرأ من غير رويّةٍ وتسليمٍ واستعدادٍ، ولذلك نجد أن بعض الشيوخ المعترفين بفضل الشيخ الأكبر يحرّمون على مريديهم المبتدئين قراءة كتبه خشية إساءة فهمها، فربما يؤدّي بهم الأمر لفساد عقيدتهم الهشّة أو للكفر والعياذ بالله.

ومن هنا نجد معنى قول العلماء أن رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، شريطة أن لا يكون الاختلاف سبباً في النزاع كما هو الحال أسفاً في أغلب الأحيان. فلا بأس من تخطيء ابن العربي، فما هو بمعصوم، ولكن ليس هناك داعٍ لتكفيره من غير بيّنة ودليلٍ قاطعٍ، فمن ثبت له عقد الإيمان بيقين لا يُخرج منه إلا بيقين.

ولقد انقسم الناس عبر العصور التي تلت ابن العربي إلى مؤيّد ومندّد حتى إن الكثير من المؤرخين كانوا يميّزون الرجال من خلال موقفهم من الشيخ الأكبر، كما سنفصّل ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ولكن لا يجوز رفض العلم الذي لا يوافق أهواءنا إلا إذا كان لدينا ما ينفيه بشكل قاطع مما ثبت في القرآن والسنة. وفي كل الأحوال لا يجوز قذف الرجال لما ورد عنهم حتى وإن كانوا قد أخطؤوا فليس علينا من حسابهم من شيء بل حسابهم على الله تعالى،

وإن كان لا بدّ من النصيحة لتبيين أخطاء الآخرين فنفعل ذلك بأسلوبٍ إسلامي سليمٍ من غير سبٍّ ولا شتمٍ ولا تكفيرٍ. ولكن البعض بالغوا في نقد الشيخ الأكبر فاتهموه زوراً بالكفر والفسق والإلحاد، وما ظلموا في ذلك غير أنفسهم، ففي جميع الأحوال لا يجوز تكفير أحد لم يعجبنا قوله، طالما هو يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فمن صحّ إسلامه بيقين لا يجوز تكفيره بغير يقين، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الحديث الصحيح: ”أَيُّمَا امْرئٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا؛ إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ” [كنز: 8272].

أما بالنسبة للشيوخ المعترفين بفضل الشيخ محي الدين ومرتبته ولكنهم يمنعون مريديهم من قراءة كتبه خشيةً عليهم من الفتنة بما فيها من المعارف العميقة الغور، فقد يكون هذا الأمر مبرّراً في بعض الأحيان، ولكن الأمر اليوم قد تغيّر مع تقدّم وسائل الإعلام والاتصال وتعرّض الإنسان للكثير من الفتن الفكرية والثقافية مما أكسبنا نوعاً من المناعة حيث أصبح معظم الناس أكثر انفتاحاً لسماع ورؤية الطرف الآخر من غير أن يعني ذلك موافقتهم على ما هم عليه.

وكذلك الشيخ محي الدين، لم يطلب من أحد أن يوافقه ويؤمن بكل ما يقوله أو يلزمه به، بل يتركه في مجال الاحتمال حتى يجد له، أو عليه، الدليل.

فمتى وجد له دليلا سيجد أن عقله يقبله تلقاءً ويتّسع له صدره ويستريح له قلبه لأنه، كما يقول الشيخ في مقدمة الفتوحات المكية: ”لا يثلج الصدر إلا ما يقطع بصحته”.

وفي كل الأحوال لا بدّ من الرجوع إلى أصول العقيدة المبنيّة على القرآن الكريم والسنّة الشريفة.

فهذه هي شمس مقدمة هذا الكتاب ”شمس المغرب” قد غربت لتشرق من جديد وبشكل متجدد في فصوله القادمة بحمد الله وفضله، ونرجو من الله تعالى أن يجعله نورًا وشمس هداية للمسلمين أجمعين. ونسأل الله تعالى في البداية التوفيق والإخلاص والهداية، ثم الثبات حتى النجاة في النهاية، والله من وراء القصد، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.