شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

3.1.4 - الشفاعة والعفو عن الناس

إن العفو عن الناس صفة كريمة لا يتصف بها إلا كريم، والله سبحانه قال في القرآن الكريم في سورة آل عمران: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 134)). وكذلك كان الشيخ أبو إسحق يعفو عن جميع من يؤذيه وأكثر من ذلك أنه كان يرى جميع الناس في حقّه أولياء سواء الذين يحبونه ويمدحونه أو الذين لا يحبونه ويسبّونه، فإن أهل الله يرون وجوب الشفاعة فيمن آذاهم لأن الذين أحسنوا إليهم يشفع لهم إحسانهم لهم عند الله تعالى، وأما الذين آذوهم فهم يشفعون لهم عندما يأذن الله لهم يوم القيامة ويفتح لهم باب الشفاعة، فإذا كان يوم القيامة وظهر ما لهم من الجاه عند الله خاف منهم من آذاهم هنا في الدنيا فأول ما يشفعون يوم القيامة فيمن آذاهم قبل المؤاخذة، وهذا نص أبي يزيد البسطاميّ، كما يقول الشيخ الأكبر الذي يضيف أن هذا هو مذهبه أيضاً؛ فإن الذين أحسنوا إليهم يكفيهم عين إحسانهم فهم بإحسانهم شفعاء أنفسهم عند الله بما قدّموه من الخير في حق هذا الوليّ: و((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [60])) [الرحمن]، ((... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ... [40])) [الشورى]، وذلك للعافين عن الناس، بل الولي لا ينسى من يعرف الشيخ وإن كان الشيخ لا يعرفه فيسأل الله تعالى أن يغفر ويعفو عمّن سمع بذكره فسبّه وذمّه أو أثنى عليه خيراً. ويقول الشيخ محي الدين أنه ذاق ذلك من نفسه وأعطاه ربه بحمد الله ووعده بالشفاعة يوم القيامة فيمن أدركه بصره ممّن عرف ومن لا يعرف وعيّن له هذا المشهد حتى عاينه ذوقاً صحيحاً لا يشك فيه، كما يقول عن نفسه في الباب الواحد والسبعين من الفتوحات المكية. ثم يضيف الشيخ الأكبر أن هذا أيضاً هو مذهب شيخه أبي إسحق بن طريف. ويقول إنه قال له يوما وهو عنده في جزيرة طريف سنة 589: يا أخي والله ما أرى الناس في حقي إلا أولياء عن آخرهم ممن يعرفني! قال له الشيخ الأكبر: كيف تقول يا أبا إسحق؟ فقال: إن الناس الذين رأوني أو سمعوا بي إما أن يقولوا في حقي خيراً أو يقولوا ضد ذلك؛ فمن قال في حقي خيراً وأثنى عليّ فما وصفني إلا بصفته، فلولا ما هو أهلٌ ومحلٌّ لتلك الصفة ما وصفني بها، فهذا عندي من أولياء الله تعالى. ومن قال فيّ شرّاً فهو عندي وليٌّ أطلعه الله على حالي فإنه صاحب فراسةٍ وكشفٍ ناظر بنور الله، فهو عندي وليّ فلا أرى يا أخي إلا ولياً لله.[290]

3.1.4.1- قصة موت الشيخ ابن طريف