شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
شمس المغرب - سيرة لأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

البداية
الجزء الأوّل
الجزء الثاني
الجزء الثالث
اتصل بنا
مرحبًا بكم في شمس المغرب ( يرجى الدخول أو التسجيل)
المقدمات
الفصول
المحتويات

2.3.9 - تعلّمه للحديث والسيرة (قبل 586/1190)

وكذلك تعلّم محمد الحديث على يد المحدّث عبد الرحمن السهيلي (توفي 581/1185)[161]الذي قرأ عليه كتابه "الروض الأنف" وهو تعليق على سيرة ابن هشام. وكذلك حضر عند ابن زرقون (توفي 586/1190)[162]الذي قرأ عليه كتاب "التقصّي" للشاطبي، وأجازه إجازة عامة.

وكذلك قرأ على الشيخ عبد الحق الأزدي الإشبيلي وهو المعروف بابن الخرّاط (توفي 581/1185) وهو الذي ألّف عدداً كبيراً من كتب الحديث منها "الأحكام الكبرى"، "الأحكام الوسطى" و "الأحكام الصغرى"، وقرأ عليه كتاب ابن حزم الشهير "الزاهرة". وكان الشيخ عبد الحق الإشبيلي صاحب الشيخ أبي مدين الذي تأثر به ابن العربي كثيرا كما سنرى في الفصل القادم، وبالتالي فلا بدّ أن ميوله كان صوفياً وقد تأثّر به محي الدين كثيراً حيث روى عنه بعض الأحاديث منها ما يتعلق بالأسماء الحسنى وعددها وكيفية إحصائها.[163]

ولم يكن ابن العربي في أول تعلّمه مهتمّا كثيراً بالحديث الشريف بشكل مخصوص، إلى أن رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رؤيا مبشّرة رواها في كتاب "المبشرات":

كان من جملة أصحابنا قبل أن أعرف العلم قد رتبوا وقصدوني محرّضين على قراءة كتب الرأي وأنا لا علم لي بذلك ولا بالحديث، فرأيت نفسي في المنام وكأني في فضاءٍ واسعٍ وجماعة بأيديهم سلاح يريدون قتلي ولا ملجأ معي آوي إليه، فرأيت أمامي ربوة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليها واقف، فلجأت إليه فألقى ذراعه عليّ وضمني ضمّا عظيما وقال لي: "يا حبيبي استمسك بي لتسلم"، فنظرت إلى هؤلاء الأعداء فلم أر منهم على وجه الأرض أحداً. فمن ذلك الوقت اشتغلت بتقييد الحديث.[164]

وقد روى الشيخ الأكبر أيضاً في هذا الكتاب نفسه الذي يروي فيه بعض المبشّرات التي رآها في المنام والتي تفيد المريدين والمتعلمين فقال أيضاً إنه رأى الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة في المنام وعليه ثوب أبيض يجرّ منه في الأرض اثني عشر ذراعاً وهو على بابٍ يقال له باب الفتح، فقال له: يا مالك، ما أقرأ؟ فقال: تحبُّ أن تقرأ كتب الرأي؟ فرأى محي الدين شخصا كان يشتغل بكتب الرأي وهو ينظر في مزبلة معرضا عن مالك مقبلا على المزبلة، فقال للإمام: يا مالك، أخاف أن تقودني كتب الرأي إلى ما قادت هذا الشخص! فتبسم مالك رضي الله عنه وقال له: صدقت، عليك يا بني بتقييد الحديث والعمل به.[165]

وبذلك بدأ الشيخ محي الدين الاهتمام بالحديث النبوي الشريف وكتب عنه الكثير من المؤلفات الفريدة منها: "الأحاديث القدسية"، "اختصار الترمذي"، "اختصار البخاري"، "اختصار السيرة النبوية المحمدية"، "اختصار المحلى"، "اختصار مسلم"، "كتاب الأربعين حديثا في الطوالات"، "كتاب الأربعين المتقابلة في الحديث"، "المصباح في الجمع بين الصحاح"، "مشكاة الأنوار فيما روي عن الله من الأخبار"، ومعظم هذه الكتب لا تزال مخطوطات غير مطبوعة.

وقد حدّث الشيخ الأكبر عن كثيرٍ من الرجال ونقل الحديث وهو من رواة كتاب سنن الترمذي الذي أجازه به شيخه أبو شجاع في مكة سنة 598 كما سنرى في الفصل الرابع. وكذلك ذكر الشيخ الأكبر في بعض كتبه طرقا كثيرة يروي بها الأحاديث عن المحدّثين،[166]وقد قال العجلوني مؤلف كتاب "كشف الخفاء" نقلا عن الشيخ حجازي الواعظ شارح "الجامع الصغير" للسيوطي بأن الشيخ محي الدين ابن العربي معدود من الحفاظ، والحافظ هو من يحفظ مائة ألف حديث.

وتجدر الإشارة إلى أن الصوفية لهم طريقتهم الخاصة في نقل الحديث وتصحيحه، رغم أنهم لا يلزمون أحدا فيما ينقلونه ولا يخطّئون ما صحّ من الحديث في الصحاح وغيرها حتى وإن لم يصحّ عندهم من طريق الكشف.